أكياس مرمية
.....................................................................................
عندما غادرت مدينتي ذاهبا إلى دمشق وكنت محملاً باكياس من الأفكار والمعتقدات الجاهزة وأدوات القياس الثورية وقيودي التحررية ! التي زودتني بها مدينتي واصحابي وحواراتي ولون الكتب المقروءة شعرت بثقل تلك الأكياس وحمولتها الزائدة وعندما بدأت بدراستي العلمية الجامعية بدات تخف تلك الحمولة قليلا وعندما نزلت إلى قاع المدينة واضطررت للعمل مع الشارع الدمشقي أحسست أنني قروي بإمتياز وأن الكثير مما في اكياسي المليئة بالحضارة لم تكن لتخدمني وتصمد أمام عاتيات الواقع المعاش البسيط بعد مسافة مائتي كم من مدينتي ومع ذلك كنت مصرا كقروي على ضرورة حملها كلما هممت بالخروج للعمل مع أناس مختلفين وناجحين في أعمالهم لا جلساتهم وحواراتهم فقط وكلما كنت اغوص في هذا الواقع اليومي المعاش كلما كنت اترك شيئا من احمالي في المنزل لعدم ضرورتها وكلما تركت شيئا من حضارتي النظرية كنت أشعر بأنني اتحضر واقعيا أكثر وأصبح أقرب إلى فكر المدينة حتى أن لون اكياسي الفاقع المحاكة في القرية أصبح باهتا جراء تعرضه الطويل لشمس الواقع المتوهجة دوما وبدأت اكياسي حتى بالاهتراء إنما كنت على يقين بأنني أصبحت اخزن خبرة الحياة وافكارها العظيمة مصبوغة بالقليل والاساسي مما كنت احمله سابقاً وصابغة لها ومذ ذاك ادركت أن احمالنا الزائدة طالما كانت عبئا علينا ومن عباها لنا بداعي المحبة لم يكن قد خرج من عقلية القرية اصلا مهما تبنى من أفكار طالما لم يختبرها ويختبر عقلية المدينة وشوارعها وزواريبها أيضا ولا أنسى ابدا وانا جالس مع جيراني في العمل من اصحاب المحلات الدمشقيين في شارع خالد إبن الوليد وصادفني صديق مثقف من بلدتي وكانوا جيراني يهمون بالذهاب إلى الجامع للصلاة وبادرني صديقي معبرا عن اشتياقه بالقول ( وينك يازلمي يلعن ... شقد اشتقتلك !! ) مما استدعى اندهاش واستهجان كل الحضور الشيء الذي لم يحدث معي خلال سبع سنوات من العمل سويا جنبا إلى جنب ورأيت آنذاك كم يحمل صديقي القديم من أكياس كثيرة مازالت فاقعة الألوان ومليئة بحضارة القرية النظرية .
خالد الشعراني
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء