لمسات سحرية..
علمتنا تلك اللمسات السحرية أن نقول ونصمت..
ونهتم وتتجاهل..
ونجرح ونداوي..
وأنّ فعل اللقاء الطبيعي البسيط بين شخصين أو أكثر؛ والذي كان ينتهي بتحية الوداع، يعود ليُستكمل من خلال كلمات أو صور أو تعبيرات افتراضية مسبقة الصنع، تشرح وتوثق ما كان من نظرات العيون وحرارة الصوت وكل لغات الجسد.
علمتنا أن نقول كلمات لم نكن لنفكر فيها من قبل..
عندما تنتابنا أحيانا عدوى اللمس فنستجيب لأي حرف أو تنبيه صوتي أو مرئي.
ويحدث مرات أن نصمت في حرم الجمال واستفزاز القبح على حد سواء.
وفي كلا الحالتين قد يحركنا العجز عن التعبير أو العناد أو حتى نوبة مزاجية حمقاء.
عندما نكون تحت تأثير التشويش الذي تخضع له عقولنا وحواسنا بسبب تعدد مصادر التنبيهات بين العالم الواقعي والافتراضي، قد نثرثر ونثرثر بلا وعي، تدفعنا الى ذلك لذة عجيبة تُفقدنا الإحساس بمرور الوقت..
علمتنا تلك اللمسات لزوم الأدب أو التطرف فيه أحيانا، كما منحتنا الجرأة على قلة الأدب كثيرا..
و أن الحياة تُعاش على الأرض لكنها تُترجم من خلال الشاشات إلى لغة واحدة تضم كل حروف لغات العالم.
أغرقتنا بمشاعر التعاطف مع أحوال الآخرين، وفي كل مكان، حتى صرنا نمرّ بأصابعنا على البركان والسيل والإعصار والحرب دون أن يمسها منها أي سوء!
علمتنا السحر بلا نفث في العقد أو تعويذات غريبة.
بلمسة واحدة ينتهي كل شيء وكأنه لم يكن. ولمسة أخرى تحفظ مانشاء لتحوله إلى ذكريات للمستقبل..
وهي عمياء في الحالتين؛ لا تميّز بين لمسة إرادية أو غير إرادية.
كيف جعلتنا تلك الأجهزة الصغيرة أذكياء أغبياء في الوقت نفسه!
وقد حدث أن عجزتُ مرة عن إيصال معلومة بسيطة إلى إحدى طالباتي، بينما فاجأتني بسرعة استجابتها وقدرتها على التعامل مع هاتفها المحمول بكل ما فيه من تطبيقات (والتي تفوق قدراتي بكثير).
أعجز أحيانا أمام تلك الأيقونات المضيئة عن فهم نفسي فأجدُني أتجاهل مهمّا وأكرر النظر إلى ما هو أقل أهمية منه!
تغريني حركة البحث والاكتشاف وتدفق المعلومات اللانهائي، وقد توقفني وتجمد أفكاري أمام صورة أو مشهد عابر وقعتُ عليه خطأ أو بمحض الصدفة.
أجد السعادة كل السعادة.. والرضا كل الرضا.. في تحدي قدرة نفسي بالابتعاد عنها والانشغال بما خططت له على مفكرتي ولو لساعات قليلة..
وتطير بي دهشة وانبهارا كلما عدت إليها لتأخذني إلى عوالم لم أختبرها حتى في أحلامي..
وهل ألذّ من أن تكون الأرض كلها بين يديك، بكل ما فيها، متى شئت وأنت في مكانك لم تتحرك!
هل حوّلَنا عالم الإنترنت من مخلوقات اجتماعية يشكّل التواصل مع الآخرين جزءاً محورياً في حياتها إلى مخلوقات تسبح في محيط عميق من الاتصالات فلا تعود منه بما يروي ظمأها بل يزيدها عطشاً!
لا نستطيع أن ننكر أنها تغلغلت في تفاصيل حياتنا وسجنتنا بين أكوام الحريات والأفكار.
بعد الدخول إلى عالمها تنتظرنا كل الاحتمالات:
الغرق..
التشتت..
التذكر أو النسيان.
ولانملك من أمرنا شيئا في أغلب الأحيان إلا إضاءة اللمسة الأولى.
✍🏻
ذُكاء عبد الرحمن
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء