المثقفون التقدميون و النهوض من الخيبات الثلاث
بعد سنين طويلة من انتكاسة فكرية حقيقية على مستوى العالم، تمثلت
بسقوط المنظومة السياسية للفكر الاشتراكي كدول وأحزاب، ومن ثم تراجع الثقافة
والفكر التقدمي أصبح هذا الفكر حالة نادرة جدا ، وأصبح أن تلتقي بمثقف تقدمي أمرا
عزيزا ويبعث بالدهشة، خصوصا إن كان ينطلق من منطلقات نظرية جديدة تقوم على
الاستفادة من التجربة الاشتراكية السابقة.
إلا أن الحالة العامة التي تجدها لدى المثقفين التقدميين هي حالة خيبة كبيرة مما جرى ويجري، خيبة لا تنفصم عن خيبة المجتمع ككل من الأحداث المؤلمة التي نمر بها.
خلال
العقود السابقة شعر المثقفون التقدميون بثلاث خيبات متوالية شكلت ثقلا
"تكتونيا" هائلا على مبادراتهم ومحاولة إعادة النظر الفكري والثقافي.
ويمكن ترتيب خيبات التقدميين كما يلي:
ويمكن ترتيب خيبات التقدميين كما يلي:
الخيبة الأولى. حدثت بعد
انتصار التحول الاشتراكي في البلدان الثائرة يساريا، حيث شعر اللماحون من المثقفين
الثوريين بأن الثورة لم تكن ثورتهم، وبأنها أفضت إلى غير ما تصوروه. حيث حل القمع
السياسي محل الحرية السياسية، ورتابة الإنتاج الصناعي ونمطيته بدلا من التنوع
الاقتصادي الموعود، وكذا الجمود الثقافي والفكري بدلا من الإبداع الغزير المرتقب.
إن أهم حدث يشير إلى هذه الخيبة ويعبر عنها هو انتحار "مايكوفسكي" شاعر الثورة البلشفية، وذلك عام 1930 (مع وجود أسباب عاطفية اخرى).
الخيبة الثانية : هي التي
طرأت بسبب سقوط المعسكر الاشتراكي وعلى رأسه الاتحاد السوفيتي، وكانت مقدمات فشل
التجربة الاشتراكية قد بدأت منذ السبعينات أما مقدمات الانهيار فحصلت في
الثمانينات، مع مشروع إعادة البناء "البريسترويكا" على يد "ميخائيل
غورباتشوف".
وأهم حدث يشير إلى هذه الخيبة هي إسلام "روجيه غارودي" المفكر الاشتراكي الفرنسي المخضرم في نفس الفترة تقريبا (وهو تحول هام يحمل دلالات ايجابية يجب إلقاء الضوء عليه لأهميته).
الخيبة الثالثة : والتي
ظهرت عقب الأحداث التي تلت سقوط المنظومة الاشتراكية الدولية. فبعد مراجعة سريعة
أدرك التقدميون كل التقدميين صغيرهم وكبيرهم أن اختلال التوازن الجيوسياسي في
العالم أدى إلى انفلات وتغول الإمبريالية العالمية المتمثلة بالولايات المتحدة
الأمريكية وحلفائها. وكان على العالم لثالث الذي تقاعس عن نصرة الفكر الاشتراكي
بحجة أنه فكر إلحادي أن يدفع الثمن، فسقط فريسة سهلة بأيدي الإمبريالية التي اوقدت
فيه الانقسامات الشاقولية ليقع في حروب أهلية كبرى اهلكت البشر وحطمت الحجر.
وأهم حدث يشير إلى هذه الخيبة هي تفكك الكثير من الأحزاب الاشتراكية وتحولها إلى أحزاب ديمقراطية. على سبيل المثال لا الحصر تحول حزب العمل المصري ذو الاتجاه اليساري الى حزب اسلامي مع بداية الألفية الجديدة.
بعد هذه الإشارات نتساءل هل
يحق للمثقفين التقدميين الاستمرار في هذا الهروب للخلف من خلال تكريس الماركسية
كحل نهائي لا بديل عنه، أو الهروب للإمام من خلال الإذعان لليمين وللفكر الليبرالي
المتغرب. نتساءل الم يحن الوقت لبناء جسور حقيقية مع الثقافة الشعبية الاصيلة
لشعوبنا المستلبة ولتراثنا الفكري بهدف إعادة النظر بكل ما يجري حولنا والانطلاق
من جديد.
علي حسين الحموي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء