pregnancy

رسالة إلى صديقتي من خارج الكوكب


رسالة إلى صديقتي من خارج الكوكب

عزيزتي التي لا أعرف معنىً لاسمك

تحية أرضية وبعد...
سرّني كثيراً ما وصلني منك في رسالتك الأخيرة، وأنا أشكرك من كل قلبي على دعوتك لي أن أغادر كوكب الأرض لأعيش بينكم.
لشدّ ما تمنيت ذلك مذ وعيت على واقع حالٍ بدا واضحاً أنه يسير إلى العدمية.
لقد أخبرتني في رسالتك تلك أن الحياة عندكم سهلة جداً، ولا ضرورة لاتقان اللغة، فأهل الكوكب خاصتك متقنون لكل لغات كوكبنا، وهذا ما يجعلني أتحدث إليكم بعربيتي التي أحبها، كما وقلتِ لي أنه بإمكاني أن أحب من أشاء، وليس هناك من خاصية دماغية تعتمد الكره لدى سكان كوكبكم.. في الحقيقة وقعت في حيرة، وهنا اعتراني شكٌ فيما سمعته منك.
عزيزتي.. نحن سكان كوكب الأرض، لا نستطيع العيش دون أن نرمي بكرهنا على الآخرين، لأن ذلك يحفزنا للتفكير أكثر، كما وأننا نتظاهر بالحب، وهو الفعل الأكثر استهجاناً لدى الجميع رغم تبجحنا بمزوالته من باب الحقوق.
كوكبنا وجد فقط كي يكون سجن عقاب لكائن هبط من العلا بغضب من الإله. أي أننا مسجونون بإرادتنا، وقد اعتدنا العيش ولا نستطيع الابتعاد عن عبوديتنا.
أما أن أقوم بزيارة كوكبكم فهذا أمر فيه بعض الخطورة.
فيكفي أن تعرفي أنني لا أستطيع الذهاب من مدينتي، إلى القرية التي تبعد عنها خمس كيلو مترات، حقيقة لا أعرف، ما أعرفه أن المجتمعات تعمل بكل طاقاتها على نشر الخوف عند غيرها، وما أعرفه أيضاً، أن الإنسان هو كائن متحول فيزيولوجياً مع كل طارئ يحدث له، فمرة هو غزال وديع، ومرة وحش كاسر، وأحياناًيعيش كطائر حر، ومرات كثيرة يعيش كفأر يمضي عمره هرباً من هرّ وجد فقط كي يخيفه، كماهو حال وجود الحكومات والأنظمة العالمية التي اتخذت لنفسها تسميات عدة: الاشتراكي، الرأسمالي، الشيوعي، والديني. منهم الليبرالي، ومنهم المتطرف، لقد وجدت جميعها لأمر واحد، أن تجعل من شعوبها فئران تجارب في أحسن الأحوال.
كنتِ طلبتِ مني أن أحدثك عن الحب على ظهر كوكبنا. وأنا تأخرت في الكتابة لكِ ليس لأنني تجاهلتها، بل حاولت جاهداً أن أصيغ لكِ هذا المفهوم الهلامي الذي يعيش فينا دون معرفةً بماهيته الحقيقية، ولكن أستطيع أن أقول لكِ أنه يشبه النفير العام الذي تطلقه حكومة ما أثناء حدث طارئ، وعلى رعاياها الاستنفار، هكذا هو الحب، حالة نفير واستنفار لكل خلايا الجسد موجّه من شخص لآخر. اي أن هناك عاملين اثنين في هذا الفعل، مرسل، ومستقبِل، والطريق الواصل بينهما هو اشعاع لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، وعندما يرتد هذا الاشعاع ليعود من المستقبِل إلى مرسله بشكل تفاعلي إيجابي نكون قد حققنا هذه الحالة، وهنا يبدأ الحب.
أما إذا كان المستقبِل غير قادر على إعادة هذا الاشعاع لمرسله فهذا يعني أننا دخلنا مرحلة نسميها نحن أهل الأرض (الألم).. وأنتم مما لا تعرفون الألم في كوكبكم.. هكذا قلتِ لي في إحدى رسائلك.
نحن نعشق الألم يا عزيزتي.. هو وجودنا، هو الحيز الذي نستطيع من خلاله أن نشدّ تعاطف الآخرين إلينا. نحن مجتمعات عاطفية بالألم.
أمره عجيب هذا الحب يا عزيزتي..
في رسالتي القادمة لكِ سأحدثك عني أنا.. كيف اعرف الحب، وكيف أمنح الحب، وكيف.. وكيف.
تقبّلي خالص محبتي الأرضية لكوكبكم الضال الذي لا يشبهنا في كل تفاهاتنا.
على أمل أن تقبلي دعوتي لزيارتنا.

حررت هذه الرسالة منذ ولادتي
صديقك
أنا... محمد أحمد القصير


شكرا لتعليقك