pregnancy

فضل الصيام










فضل الصيام 

.................
............................................................................

يمثل الصيام فريضة اسلامية وشعيرة من شعائر الدين الحنيف، هذا ظاهر الأمر وهو حق؛ لكن حقيقة الصوم والصيام تنطوي على أبعاد إنسانية عميقة، سأحاول أن أشير إليها من خلال النقاط التالية:

أولا . يدعونا الله تعالى من خلال صيامنا إلى تجاوز كيونونتنا البيولوجية والانعتاق منها، ولو لفترة من الزمن، نصبح بها أقرب بكائنات ملائكية مجردة عن الشهوات والرغبات البيولوجية، يحيد العامل البدني لصالح العامل الروحي. نتعرف من خلال تجربة الصيام على معنى النقاء والصفاء الروحي فهذا الانقطاع عن الجسد هو محبة لله وتقربا منه، وهو يقوي من كياننا الروحي الفردي والجمعي عندما يكون الصيام جماعيا كما هو الحال في الشهر الفضيل.

ثانيا. نكتشف من خلال الصيام قدرتنا الفائقة على مقاومة انفسنا، رغباتنا الطارئة وشهواتنا؛ فنحن لم نتوقع من أنفسنا كل هذا الصبر وكل هذا الصمود. ماذا يعني هذا ؟ 
يعني أمر خطير وهو قدرتنا على التحكم بأنفسنا؟ الذي هو مفتاح النجاح في كل ميدان؛ إذ التحكم بالذات قولا أو فعلا يجعلنا نخطو الخطوات الصحيحة؛ إن الصيام يعزز إرادتنا الفردية والجمعية التي بها نحقق ما نظنه مستحيلا.

ثالثا. نخوض من خلال الصيام تجربة الفقر المدقع، ونتذوق مرارة ما تعانيه الطبقة المسحوقة في المجتمع تلك التي لا تجد قوتا لها ولأطفالها؛ من خلال تجربة الصوم ندرك معنى الخواء الجسدي والفقر الشديد وحالة الأسير المعذب، وشعور الأحرار المضربين عن الطعام في مكان ما من هذا العالم؛ إن هذا يجعلنا نتقاطع معهم وجدانيا ونلتقي بهم في الموقف الانساني، هذا بالإضافة إلى شعورنا بالكائنات الأخرى التي طالما تعرضت للجوع والعطش بسبب مشاريعنا البشرية الهدامة للبيئة ولمواطنهم الجميلة.

رابعا. يعد الصيام بتحسين حالتنا الصحية وينبهنا بصورة مباشرة الى مخاطر الطعام وما ندخله إلى جوفنا؛ يلفت انتباهنا إلى أهمية نبذ ثقافة الطعام والحشو الغذائي لصالح ثقافة الارتقاء بالوعي والمعرفة والإيمان. الصيام هنا يوجه آدميتنا بالإتجاه الصحيح، فنحن كائنات روحية اجتماعية ثقافية قبل أن نكون كائنات مادية، وبالتالي حينما نحول شهر رمضان إلى مهرجان للطعام فنحن بذلك نعاكس المغزى المقصود للشهر الفضيل.

خامسا. الصيام يقربنا من بعضنا البعض، فنحن جميعا في معركة مع الذات، مع انفسنا، كل منا يشعر بالآخر ويقدر لحظته الصعبة. الشهر الفضيل يفرض علينا التسامح والمحبة والكرم وصلة الرحم والتعمق في الإيمان، يطالبنا بإعادة تقييم الذات، بتصحيح انحرافاتنا عن جادة الصواب، إنها أشبه بحالة إعادة الضبط المصنعي وفق مصطلحات العصر.

إذا ما فهمنا حقيقة الصوم ومغزاه فلن نراه فريضة علينا بل هو حق لنا، أما إذا فهمناه كواجب ثقيل نتحايل لتمريره فلم ينعكس على سلوكنا ومحبتنا للخالق عز وجل ولبعضنا البعض وللوجود برمته فلن ننال من صيامنا إلا الجوع والعطش.


علي حسين الحموي



شكرا لتعليقك