نهاية رجل الشمال
.............................................................................................
آخر ما كتبه الشاعر الفقيد نورمان الماغوط :( البوست الأخير)
لم أكن في وارد وقف هذه الرحلة الآن، وهي التي أضافت إليَّ
الكثير. كتبتُ الشعرَ مبكِّراً ولم يكن لي حضورٌ إلا في المحكي منه وبعض قصائد
النثر التي وجدها الآخرون جيدة. أعددت خلال سنواتي الجامعية بعض المحاضرات أهمها
عن غرامشي، وعكفت على المحاماة بحكم ضرورات الحياة. شاركت بعض الندوات عن المرأة
والحب والمجتمع المدني والجندر، لكن لم تتبلوّر شخصيتي ثقافياً إلا مع رجل الشمال.
البداية كانت اختياراً لصفحةٍ أطلُّ منها على ما أحب من غير تطفُّلٍ على أحد، أو
حرجٍ من إضافاتٍ لا أريدها.
كنت أرغب في النأي عن ضجيج فيس بوك اليومي،
واصطفاءِ نخبةٍ ومواقع إخبارية تسعفني فيما أرومه وأهجس به. لم يكن الاسم
اعتباطياً، كان له دلالة شخصية يحملها اسمي الصريح، وكان الشمال جهةَ القلب،
وموطنَ الطيور الباحثة عن الدفء، كذلك الجهة الأقل امتهاناً لكرامة الإنسان. حتى
الآن لا أدري كيف انزلقتُ إلى الكتابة!
ربما
شكَّلت الحوارات والتعليقات التي جرت على صفحات بعض الأصدقاء حافزاً رئيساً في
ذلك، وشحَذَ التفاعلُ الذي حظيت به بعض البوستات همَّتي للمضي قدماً. لم أكن قبل
هذا الرجل كما أنا بعده، بل لعله في الصورة التي أطلَّ بها على الآخرين فرَضَ
سويَّةً تعذَّر عليَّ التنازلُ عنها.
خلال
هذه الرحلة ربحتُ بشراً جميلين كثر وخسرتُ بشراً جميلين كثر مع أني تجنَّبتُ
الاستفزازَ والمهاتراتِ الشخصية واشتغلت دائماً على ما بدا لي جوهرياً. لم ينجُ
هذا الرجل من الإساءات وسوء الفهم كحال أيِّ شخصٍ في هذه الفسحةِ الافتراضية،
وانبرى البعض للنيل منه تحت غطاء الهجوم على الأسماء المستعارة! اليوم أتخذ قراراً
صعباً بإعلان نهاية هذه الصفحة مع أني أزعم أنه ما زال لديها الكثير لنتشارك قوله
عن غرامشي والمجتمع المدني، عن الجندر والحب، عن مصطفى صفوان وكولن ولسون، عن
أدونيس والماغوط، عن ياسين الحافظ والجابري وصادق العظم، عن فيروز ومحمد عبد الوهاب
وعوض الدوخي، وعن كلِّ جديدٍ تدهمنا به الحياة في واقعٍ متفجِّرٍ دامي.
أجدني اليوم مثقلاً بأعباءٍ شخصيةٍ لا أقوى
عليها إلا في حالةٍ من التفرُّغِ التام، لذلك كان قراري بإغلاق الصفحة نهائياً
وليس مؤقتاً ليقيني أن الغياب سيطول، وحاجتي إلى النجاة من جاذبيةٍ قد تثنيني عن
قراري هذا في حال الإغلاق المؤقت.
من هنا، واحتراماً لشركاء الحلم والاشتغال على
الحقيقة، ووجود نصوصٍ أعتزُّ بها وبالنقاشات التي جرت عليها ، وهي تحتاج إلى
التفريغ والحفظ لتبقَ في متناول القلب، وجدت من المناسب إعلام الأصدقاء بهذا
الخيار، وترك الصفحة مفتوحةً لعدة أيامٍ قبل إغلاقها نهائياً، موقناً أن هذا الرجل
لم يكن له أن يكون كما هو عليه اليوم لولا الحوار العميق والتفاعل الخلَّاق الذي
جرى بينه وبين معظم الحاضرين هنا.
أحييكم جميعاً، وأقدم اعتذاري للأصدقاء الذين تمت إضافتهم مؤخراً، ولم يتسنَ لنا التفاعل بالشكل الكافي.
وداعاً.
لو
مضى ساعي البريدْ
دون أن يبلِغكِ شِعراً
خطَّهُ حبرُ الوريدْ
لا تقولي : إنَّكِ ماضٍ مضى
أو قطارُ القلبِ مرَّ من بعيدْ
فقد أكونُ ميتاً
تحت أنقاضِ الحديدْ
أو شريداً أو طريداً
أو أسيراً في القيودْ
فأنا ما دمتُ حيَّاً
سوف تبقين النشيدْ !
نورمان الماغوط
البقاء لله والوطن ولروح
الفقيد الشاعر الرحمة والسلام
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء