إرادة فردين
........................ .
في زمن الحروب العربية الإسرائيلية ،والخيبات المتتالية التي أصابت الشعوب العربية مما أدي إلي ضياع الطموح والإرادة ،وقام الكتاب والمثقفون بمطالبة الدولة بالقيام بخطوات جسيمة من أجل تحسين الشؤون الداخلية والخارجية للبلاد .
كان هناك رجلان من المغرب الخضراء وهما السيد "محمد بن عيسي" الذي أصبح فيما بعد وزير الثقافة المغربية وصديق عمره الذي أصبح وكيلا لوزارة الثقافة المغربية ،كان هذان الرجلان يعملان في أمريكا في نيويورك لمدة عشرين عاما متوالية ،وفجأة قرر الرجلان أن يتركا العمل في أمريكا ويعودا معا إلي بلدهما المغرب ،بل ليس حتى إلي المغرب،وإنما إلي مسقط رأسيهما في قرية "أصيلة " وهي قرية صغيرة علي المحيط الأطلنطي ،قرية فقيرة يعمل معظم سكانها بالصيد ،وكأي قرية صغيرة في العالم الثالث ،لم يكن بها ماء ولا كهرباء أو تليفونات أو أي شئ.....
هذا الرجل 'محمد بن عيسي'قرر أن يحيل القرية إلي جنة من جنات الله بعد عودته من أمريكا ،قرار رجل واحد أو رجلين ،لو أن كل مثقف في العالم العربي قررأن يفعل مثلهما لأصبح العالم العربي جنة،
وبدأا بالاستعانة بنفر من زملائهما من الفنانين ،بجمع نقود قليلة تمكنا بها من طلاءالقرية باللون الأبيض الجميل ،وبهذا الطلاء فقد تحول موقف أهل القرية من هؤلاء المثقفين الأفندية الغرباء .....وبدأوا يسمحون لأبنائهم سواء أكانوا من التلاميذ أم غير تلاميذ أن يعملوا معهم ،بالاستعانه بهؤلاء الأولاد بدأ الأفندية ينظفون شوارع القرية ثم بواسطة بعض التبرعات يحفرون بئرا للماء ،يدخلون <<موتورا>>للكهرباء ،فيضيئون القرية ثم بدأ الفن استقدموا أصدقائهم الفنانين من الدار البيضاء مراكش وعهدوا إلي كل منهم برسم حوائط القرية ،بل حتي برسم شوارعهم بعد سفلتتها ،ولكي يتموا هذا العمل الكبير كان عليهما أن يرشحا نفسيهما للمجلس البلدي للقرية (تعداد القرية اثنان وعشرون ألفا)ونجحا في الانتخابات بعد كفاح رهيب طبعا ،فتراث القرية المعتاد علي تولي مناصب المجلس البلدي بحكم النفوذ أبى أن يفسح المجال لهؤلاء الغزاة الجدد المسلحين بالفن والفكر والرغبة الشديدة في التغيير ،وحين تمت لهما السيطرة علي المجلس البلدي ،استعانا بقوة المجلس وأمواله في إحداث هذا التغيير ،وفعلا،وبعد أقل من عاميين كانت "أصيلة" قد أصبحت جنة ،أو متحفا حيا للجمال يضم الزرع الأخضر واللوحات علي الجدران وعلي الأرض .
وهنا بدأت الحكومة المركزية تفطن إلي هذا الحدث وتحاول الاستيلاءعليه وتحويل "أصيلة" إلي قرية سياحية،وهنا وقف محمد بن عيسي وصديقه أو بالأصح ناما بالطول عند مدخل القرية وأبوا أن يدخلها سائح واحد -وقال محمد بن عيسي : كنا لا نريد أن نحول أنفسنا وأهل القرية إلي قرود في حديقة الحيوان يتفرج عليها السياح كنا نريد أصيلة لنفسها ولأنفسنا ،وقلنا علي جثتنا إذا مر سائح واحد .
وفعلا لم يمر سائح واحد ووصلت المعركة إلي الملك حسن الثاني فاستقدم هؤلاء الفتية وكان أن عهد إلي محمد بن عيسي بوزارة الثقافة .
والذي حدث أن محمد طور الفكر وتفتح ذهنه عن إقامة مهرجان أصيلة للفنون والآداب كل عام ،وأقيم المهرجان وأصبحت حديث أوروبا وأمريكا ،انتقلت من قرية صيادين في العالم الثالث إلي لوحة عالمية يرنو إليها أي أوروبي أو غير أوروبي ،يرغب أن يراها رأي العين .
الدكتور يوسف إدريس
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء