اندثار الحضارة
.
قليلة هي الحضارات الكبيرة الماضية التي دخلت طي النسيان مدة طويلة مثل حضارات ما بين النهرين القديمة .
فالغزوات والفتوحات وانصهارات الشعوب ادت الى محو ذكرى الدول القوية فيها وكانت حضارات هذه الدول طوال الاف السنين قد شعت من ضفاف دجلة والفرات على العالم المتحضر كله انذاك .
ففي تلك البقاع حيث لا يوجد الخشب والحجر انهارت المدن والقصور والمعابد المشيدة باللبن واستحالت اكداسا من الخرائب .
وليس ثمة اطلال كبيرة كما نشاهد في مصر وبلاد اليونان ولا كتابات منظورة تحدثنا عن الماضي انما هناك في الآفاق الواسعة تموجات تلال تغطي آثار المدن الضائعة وفي داخلها كان مخفيا كل ما قد كتبته تلك الشعوب على الاف من الالواح .
*
كان اختفاء آشور مفاجئا وكليا حتى ان زينوفون عند مروره مع رجاله العشرة الاف بالقرب من اطلال هذه العواصم القديمة لم يستطع احد ان يدله على اسماء هذه الاثار المتروكة .
اما ذكر بابل فدام مدة اطول ولكن عندما ترك سلوقس هذه المدينة التي كان الاسكندر قد اعاد بناءها ونقل مركز ادارته الى سلوقية انحسرت الحياة نهائيا من هذه المدينة المقفرة .
منذ ذلك العهد حتى مطلع القرن ال19 لم يكد يبقى شيء من تاريخ هذه الحضارات الميتة ما خلا اوصافا متفرقة وردت في كتابات المؤرخين اليونان .
وعددا من الاسماء والاحداث حفظت في الكتاب المقدس وكانت هذه الذكريات ذاتها مشوهة غالبا واسطورية احيانا .
فاللغات التي تكلمت بها تلك الشعوب كانت منسية تماما وحينما اكتشفت بعض من وثائقهم المكتوبة شك الناس في ان تكون تلك العلامات كتابة .
*
في سبيل اعادة ربط المسار الضائع في التاريخ ترتب علينا ان ننتظر ليبدأ الاثاريون المعاصرون التنقيب المنظم للمواقع في ما بين النهرين ويكتشفوا فيها كميات ضخمة من الوثائق ويتوصلوا بجهود مضنية الى قراءتها وكلما كثرت التنقيبات وازدادت النصوص عددا ووضوحا انبعث ماض اكثر غنى وتنوعا مما افترضوه في بادئ الامر .
*
الاثاري رينيه لابات
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء