pregnancy

عبد المختار









عبد المختار..

لما يمتلئ هذا الحقل شوكا..
يحضن شوكا..يحمل شوكا..
يفرخ اشواك..
أويعقل ألا يكون في هذا الحقل أزهار..!؟
براعم أزهار..
أو حتى اوراق قديمة لفها الغبار..!
لماذا لا ترتفع هنا..
إلا رايات الهزيمة..
ورايات الفرقة والانكسار..!؟
أهذا ما أهداك الله إليه..
أهذا ما اهداك  الله إليه..
يا عبد الواحد..
يا عبد..عبد..
يا عبد المختار..
أن تفضل حزمة الطوائف..
فرقة الطوائف..
على حب الوطن..
ووحدة اهل الدار..
آه يا عبد الواحد..
آه يا عبد..يا عبد..
يا عبد المختار..
كيف سيكون حسابك عند الله..!؟
أبعد من رؤى البشر..
ربما..
'فمن يحرق بالنار ..يحرق بالنار..'
فالله..
قدر لك..
وقدر لغيرك..
مأكلاومشربا..
مسكناوملجأ..
وطنا مشتركا هذه الديار..
مللا مختلفة.. طوائف متعددة..
اعراقا متلونة..
تغني وتنوح..
بنفس الكلمات والأحرف..
وبنفس الصوت المبحوح..
مللا تجوع وتشبع..
تبرد وتدفا..
إن ضرب القحط..
أو غمرت الأمطار السهوب وطافت الأنهار..
فالله  قدر لك فيها..
أن تكون الأمين..
وأن يكونوا..
أمانة مودعة لديك..
أغلبية كانوا أو أقليات..
فلما خنت الأمانة..
وأنت  الأعلم بها..
بمنتهى اللؤم وغاية الاقتدار..!!
فماء الدار وترابها..
خلط الجميع..
وإن كانوا من آباء مختلفين..
فأمهم واحدة..
إخوة يا عبد المختار..
فمن اقرب إليك..
ذالك القادم من وراء البحار..!؟
أم ذاك الذي شاركك حليب أمك..
وشاركك مر وحلو الأيام..
واستنشق معك الورود..
ولفحته الشمس..
ولفته عواصف الغبار..
فمنذ آلاف السنين..
اجيلا عاشت تلو أجيال..
ودفنت في طيات هذا الثراء
فاختلط الماء والدم..
واختلط الدم والماء مع الحجارة والتراب..
فدمك اختلط بدمهم مع الأمطار..
فإن قتلتهم جميعاً..
كيف تصفي الدماءمن الماء..
وكيف تغربل الدماء من التراب ..!!؟
فالجسد واحد..
وإن بين الحين والحين..
اختلف وقع النبض وشذ الغناء..
فلما لا تدرك ..
ما أدركه القدماء يا عبد المختار..
فالمهمة مستحيلة..
وتنفيذها خارج كل الأقدار..
لأنها القضاء..
لأنها الأقدار يا عبد المختار..
فلو أرادها الله صافية لك..
لجعلها كذلك منذ الأزل..
بمجرد الإيحاء..
وما كان بحاجة لتدخلك..
لتنشر العذاب..
وتسفك كل هذه الدماء..
أترى يا عبد الواحد..
أترى يا عبد..
يا عبد المختار..
كيف  بالاءلفة والتسامح والمحبة..
عاش قبل حضورك..
ولأكثر من ألف عام اهل الدار..
ألمشكلة في الإدراك يا عبد المختار..
فأنت تخدم الغرباء..
ولا تخدم الأرض والله..
ولا تخدم اهل الدار..
فالمأساة..
يا عبد المختار..
أن كل هذا الدم..هدرا..
وان كل هذه الدماء هباء..
فغدا تدرك..
أن طريقك مسدودا..
وأن عليك الاختيار..
بين الاستمرار في النحر والانتحار..
وبين الاءلفة ووحدة اهل الدار..
فإن انتحرت..
ذهبت هباء وذهبوا..
وإن أدركت..
أنقذت نفسك ..
وانقذت الجميع من هذا البلاء..
فيا عبد..
يا عبد المختار..
ألا يكفيك ..
ما أخبرتك به سالف الأيام..
بأن الانحياز للغزاة والغرباء..
كان معضلة تاريخك..
ولا زال..
وأدى إلى تمزق الوطن وتشرذم السكان..
راجع التاريخ يا عبد المختار..
لم نقتتل منذ أكثر من ألف عام..
إلا حينما انحاز أحدنا..
لقوى الغرباء وجحافل الغزاة..
فكل حروب الأخوة انتهت..
بالوصال والوئام والسلام..
وبتضافرالجهود..
تمت إعادة البناء والإعمار..
فلما يا عبد المختار..
إعادة التجربة..
إن ثبت فشلها..
مرة تلو أخري..
وبعد كل اختبار....

صدقني..
لا يوجد هنا ابرياء..
توجد جريمة كبري لذبح هذه الأمة..
مرة تلو مرة..
حين استعان ويستعين كل منا بدوره بالغرباء..
آه لو تذكرت..
حكمة كبير الحكماء..
'الحرب زوالا والسلام بقاء..'
ولكن..
يا للمأساة..
أحد لن يتذكر..
إلا بعد انقضاء الليل وانقضاء النهار..
فالذاكرة تضج الأن  بالأحقاد..
والتخطيط والتنفيذ لأخذ الثار..
وانما للتذكار..
للتذكار يا عبد المختار..
بالأمس  تعشينا في بيتنا..
بالأمس ..
اكلنا في بيتكم وجبة الغذاء..
بالأمس..
جلسنا على مقعد الدراسة معا..
ودرسنا التاريخ والاحياء..
وراجعنا الأدب..حفظنا المتنبي..
واجمل المعلقات وقصائد الشعراء..
أتذكر..يا عبد المختار..!!
كم على أرجوحة العيد..
لهونا..ضحكنا ونحن اطفال..
فاحدنا لم يكن يعرف..
إن كان الآخر مؤمنا..
أو أنه من الكفار..
حينها..
كنا لا نعرف الحقد..
ولا نعرف البغضاء..
فكم تمنيت..
من أول مظاهرة..
من أول رصاصة وانفجار..
لو أننا بقينا في عمر الصغار..
دون أن ننضج ..
دون أن نتمحور..
دون أن نكبر ونفكر كالكبار..

آه يا عبد المختار..
تقف بين الجموع..
متحزما بحزام  المتفجرات..
تتمتم وتسحب الأسلاك..
فيقع الانفجار..
نساء..عجزة..
آباء..امهات..
إخوة.. أخوات..
اطفال.. أطفال..اطفال..
يا عبد..يا عبد..
يا عبد المختار..
تقطعهم الشذايا..
يقطعهم البرد...
يأكلهم الجوع..
يتقلصون من الذعر والخوف..
يهيمون في البراري والجبال..
ويلجؤون لذل الخيام.. 
فينتهوا..
هربا من الموت البطيء والذل..
وعذاب الانتظار..
الى محاولة اقرب للانتحار..
فيتزاحموا في قوارب الموت..
ويركبوا البحار..
فيغرق من يغرق..
وينجو من ينجو لشاطيء الحياه..
لتبدأ من جديد..
في مخيمات جديدة..
دورة دمار الذات..
  وبأسلوب آخر..
تبدأ عملية الاحتضار..

آه.. آه يا عبد المختار..
تقف وسط أهلك..
تصوب المسدس لرؤوسهم بيد..
وبالثانية تصوب  لرأسك آخر..
وتصرخ.. الله اكبر..
وتطلق النار..
هذه..
هذه ليست شهادة يا عبد المختار..
هذا يا عبد المختار نحرا وانتحار..
تلفت حولك..
أنت في بيتك..
فعلى من تطلق النار..!!!!؟
توقف..توقف..
وجه بندقيتك في الإتجاه الآخر..
وجه بندقيتك نحو الحدود..
يا عبد المختار..
ألا ترى..
أنظر.. أنظر..دقق النظر..
ألا تراهم..
تجمعوا من ألف ..الف محارب..
على الحدود هناك..
يترصدونك..
ولموتك وموتي..
ولاغتصاب أمك وأمي بانتظار..
فإلى أين تتجه بالقارب يا عبد المختار..!!!؟
هديء السرعة.. وأدر الدفة..
فلا توجد أمامنا..
إلا الصخور وأكوام الحجار..
فأنا وأنت بنفس القارب..
إن أغرقتني..
غرقت معي يا عبد المختار..
اوتظن يا فطنا أنك..
حرا في إدارة المحرك..!؟
وأنك تملك القرار..!؟
انت رهينة لديهم..
'فالنفس لمن يطعمها رهينة دون قرار'
فبعد أن كنا..
نأكل من نفس الطبق..
وكان لنا..
متسع في القرار..
أصبحنا..
انت وأنا رهائن دون خيار..
فزمن السيف ولى..
حين كنت بالسيف تحارب..
وكان لك خيار..
والأن بالصاروخ يدفعوك تحارب..
من صوروه لك ..
من الكفار والأشرار..
هذه ليست رؤاك ابتداء..
هذه رؤاهم يا عبد المختار..
وإلا لقتلنا بعضنا بعضا..
وانقرضنا..
منذ أن كانت اليابسة ماء..
وكان البحر ترابا وحجار..
ألا ترى..
كم تطورت منذ زمن الخيل ..
مشاهد الدنيا ووسائل الحياة..
كم تطورت أدوات القتل والدمار..
وكم تطورت الأفكار..
  فأجيال ماتت وأجيال ولدت..
ودارت الدنيا..مرة والفا..
وتقدم الناس ودار الزمان..
ولا زلنا..انا وانت..
نمر في مرحلة الاحتضار..
فارحم نفسك وارحمني..
لعلنا نبدأ بقلع الشوك والأحقاد..
ونمضي بقية هذا العمر..
نزرع حبات القمح..
ونرعى براعم الأزهار..

غسان دلل.

كتبت في خريف ٢٠١٥.


اللوحة للأستاذ محمد النظامي
شكرا لتعليقك