سوريا بعد التحرير من الفرس
الحلقة الثانية:
إن سوريا المحررة حديثاً من الاحتلال الفارسي بكامل حدودها الإمبراطورية ألفت نفسها الآن دون قائد مركزي, يتوزع فيها السلطة كوكبة من القادة المتميزين, لكن كل على ولايته, وكل يجد في نفسه الجدارة لأن يكون هو الحاكم المركزي فوق الجميع, وهذا طبع متأصل في السوريين منذ القدم إلى اليوم.
و ليس عسيراً على من يراقب ساحة الأحداث بعد موت الإسكندر أن يلحظ تميز ثلاثة من هؤلاء القادة يقف في الطليعة منهم نيكاطريو (سلوقس) صاحب الشجاعة المقرونة بالدهاء و العقل الذي حنكته التجربة في السياسة والحروب. أما الآخران فهما أنتيجونو وفتولمايو (بطليموس).
إن نيكاطريوس السوري, و الذي يعني لقبه في السريانية (المحارب الضاري) (نيكا= المحارب, الضاري. طريو= الهصور, الغضوب) كان أقرب المقربين إلى الإسكندر. وكان يشغل أكبر المناصب في جيش الاسكندر لما كان يتمتع به من حس استراتيجي متفوق, وبراعة في فن إدارة المعارك, وذكاء وقاد, وشجاعة نادرة, ودهاء عززه ميراث آلاف السنين من صراع السوريين ضد جائحات الشعوب الهمجية التي كانت تحيط بسوريا. لذلك فقد كان نيكاطريو واحداً من أخلص رفاق الاسكندر الذين اعتمد عليهم في فتح عدد من الأقاليم وأسند إليه قيادة فرق متعددة في بعض المعارك. وبعد موت الاسكندر مباشرة أسندت إلى سلوقس قيادة فرقة الفرسان الرفقاء, ولا شك أن في قيادة مثل هذه الفرقة المؤلفة من نبلاء مكدونيا كانت شرفاً عظيماً, وتكسب شاغلها مكانة سامية لا تفوقها إلا مكانة القائد العام للجيش. ثم ما لبث أن تنازل عن هذا المنصب في سنة 321 لصالح كاساندروس بن أنتيباتر, ليتولى منصبه الجديد والياً على بابل.
إن تولي نيكاطريو (سلوقس) على بابل كان يعني في حد ذاته أمرين اثنين: الأول هو إعادة الدولة السورية إلى سابق عهدها بكل امتدادها الإداري و الحضاري وعاصمتها بابل, والثاني هو الاعتراف العملي بتفوق نيكاطريو على بقية رفاقه من القادة. إن من يتولى بابل سيكون على كاهله الحفاظ على وحدة أراضي الإمبراطورية, والتصدي الدائم للأخطار الكبيرة المحدقة بالعاصمة من الشمال والشمال الشرقي تحديداً التي كانت تتمثل في غزوات الشعوب الهمجية المستمرة منذ زمن سرجون الأكادي. إن بابل كانت, بحكم موقعها, في مهب الأعاصير منذ أن أسسها حمورابي. وكان على من يتولاها أن يتمتع بمزايا تفوق كل ما لدى غيره من الولاة والملوك. وقد توفرت تلك الشروط في نيكاطريو.
اجتمع القادة الثلاثة في بابل. ونتائج مؤتمر بابل ستكون موضوع حلقتنا المقبلة.
المصدر : تاريخ سوريا الحضاري القديم ــ2 . الدكتور #أحمد_داوود
دار نينورتا:
http://www.ahmad-daoud.com/book3.html
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء