تتمة الفصل الثاني:
تأليه الحاكم في الشرق.
ثانيا: تاليه الحاكم في مصر القديمة..
كان الملك في مصر الفرعونية إلها منذ بداية النظام الملكي فيها ،ولم تكن هذه الألوهية رمزية أو مجازية تشير فقط إلى سلطة المطلقة،
ومكانتها السامية بل هي تعبير حرفي عن عقيدة كانت إحدى السمات التي تميزت بها مصر الفرعونية وهي عقيدة تطورت على مر السنين ، لكنها لم تفقد شيئا من قدرتها وتأثيرها..
فالملك هو قبل كل شيء الإله حورس أو الإله الصقر وهو أحيانا إله الشمس ..رع..ويصبح حورس تابعا له، ويصبح الملك في هذه الحالة هوحورس ..رع..أو يصبح فيمابعد..ابن الإله رع..
هو الوسيط الرسمي الوحيد بين الشعب والأله،
والكاهن الأوحد المعترف به للألة كلها..
ولايصبح الملك ملكا إلا بعد حفلة التتويج في مدينة منف بسلسلة من الطقوس الرمزية والأدعية التقليدية ..
أن فرعون الذي يتحول أيضا إلى إله بعد وفاته،
ولهذا كله فإن الملك في مصر يتسم بالسمات الآتية:
١..شخصية إلهية مقدسة ،وبالتالي فهو أقدس من أن يخاطب أحد مباشرة،
٢..هذه الشخصية الإلهية تتمتع بعلم إلهي أيضا فلا تخفى عليه خافية، إنه توت إله الحكمة في كل شيء ،وما معرفة إلا وقد أحاط بها..
٣..إن كل ما يتفوه به صاحب الجلالة يجب ان ينفذ ،ذلك لأن مشيئة الملك وإرادته هي القانون،
وهكذا لا يسع المواطن المصري العادي إلا التسليم والخضوع لأوامره ونواهيه..
٤..ترتب على شخصية الملك الأسطورية هذه نتيجة مهمة أيضا هي أنه لم تكن هناك قواعد قانونية مكتوبة أو مفصلة ،إذ لم تكن هناك حاجة إليها مادامت كلها متمثلة في شخص الإله
وربما كان من اسباب عدم وجود قواعد قانونية: الخوف من أن تقيد سلطة الملك الشخصية...
٥..كان القضاة يحكمون حسب العادات والتقاليد المحلية التي يرون أنها توافق الإرادة الملكية التي يمكن أن تتغير إذا اقتضت رغبته ذلك...
٦..كان الملك هو همزة الوصل الوحيدة بين الناس والآلهة ..فهو الكاهن الأكبر وهو الذي يعين الكهنة لمساعدته ..وهو الوحيد الذي كان يستطيع تفسير ما تريده ماعت إلهة العدالة،
ولهذا كان من المفاهيم الأساسية التي يسلم بها الجميع إن الإرادة الملكيةلايمكن أن تهدف إلا لسعادة مصر ورخائها..
٧..معنى ذلك كله أن فرعون في مصر المشرع والمنفذ ،وهو الذي يحكم القضاء باسمه ،وهو الذي يعرف رغبات الإله ويحققها،وكثيرا ماكان يقول في أوامره لأبنه أو لوزيره:
وبذلك تتاح له فرصة مراقبة أعمال عماله المتصرفين في شؤون المملكة الشاسعةوالضرب بشدة على أيدي العابثين بأوامرهاوالخارجين على إرادته..
ثالثا..الطاعة البابلية:
كانت السلطة السياسية في بلاد مابين النهرين تستند باستمرار إلى مصدر إلهي ،فلقد هبط النظام الملكي من السماء ،والملك هو ..حاكم المدينة ..وهو الكاهن الأعظم ..وهو نائب الإلهة ومندوبها..ويتفاخر الملوك بالأصل الملكي الذي ينتمون إليه، وبع المصادقة على الأختيار يقسم الأبن يمين الولاء والخضوع والأحترام لأبيه ..ولم يكن ملك بابل من الوجهة القانونية إلا وكيلا لإله المدينة ،ومن أجل هذا كانت الضرائب تفرض باسم الإله..
ومن شأن هذه كلها أن تجعل الخروج عليه كفرا ليس مثله كفر ، لا يجزي من يجرؤ عليه بضياع رقبته فحسب ،بل يجزي أيضا بخسران روحه ..
وحتى حمو رابي العظيم نفسه تلقى قوانينه من الإله..ولقد كانت الفضيلة الكبرى في بلاد مابين النهرين عموما ، وبابل بصفة خاصة ، هي الطاعة التامة ..وكان الأمر في الماضي السحيق على نحو ماهو عليه في يومنا الراهن ،تبدأ دوائر السلطة أو الطاعة لافرق ، من دوائر الأسرة حيث يوثي العراقي القديم بهذه العبارة:
..إسمع كلمة أمك،كما تسمع كلمة إلهك ، واسمع كلمة أخيك الأكبر كما تسمع كلمة أبيك ..
وتنتهي هذه الدوائر بالدولة والمجتمع، فهناك المراقب والمحاسب ،والمشرف في الزراعة والتجارة ،ثم هناك الملك فوقهم جميعا،والكل يطلب الطاعة من المواطن، بل الاستسلام والخضوع المطلق والعراقي القديم كالعراقي الحديث ،ينظر الى الجمهور الذي لا قائد له نظرة الإستياء والشفقة والخوف ايضا،
..الجنود بلا ملك غنم بلا راعي ..والعمال بلا مراقب كالمياه بلا مفتش ري..والفلاحون بلا مشرف كحقل بلا حارث ..
وفي بلاد مابين النهرين عموما كان دور الملك الريمي أنه يمثل الآلهة على الأرض او أنه ينوب عنها فقد منحته السلطة لكي بتصرف نيابة عنها.
رابعا..كان الفرس يطلقون على الأمبرطور لقب ..ملك الملوك..وهو صاحب السلطة المطلقة في طول البلاد وعرضها فكانت الكلمة التي يتصدر من فيه كافية لإعدام من يشاء من غير محاكمة ولا بيان للأسباب تماما كما يحدث عن الطغاةاليوم! ..
وعندماغزا الأسكندر فارس وجد القوم يسجدون للأمراطور ويؤلهونه فابتعد سياسته الخاصة بالمزج وإدماج العناصر المقدونية بالفارسية في إمراطوريته،وإتخذ في المناسبات العامة الزي الفارسي ،ومراسيم البلاط الفارسي..
خامسا: الصين ..
كان التنظيم السياسي في الصين القديم يقوم على أساس أن الأمبراطوريستمد سلطته من السماء ، فهو يحكم وفقا للحق الإلهي الذي يخوله سلطة مطلقة ،
كماكان محاطا بحلقة قوية من المستشارين والمبعوثين من مصلحته أن يعمل بمشورتهم ، وإذا ظلم أو فسد حكمه خسر بحكم العدات المرعية وباتفاق أهل الدولة ،..تفويض السماء...
وأمكن خلعه دون أن يعد ذلك خرقا على العادات والدين او الخلاق!!
سادسا..الاسكندر يؤله نفسه في الشرق!!
وقعت المدن اليونانية،لما يقرب من قرن ونصف ،تحت سيطرة الطغات فيما يسمى عادة عصرطغاة الإغريق ، ابتداء من طاغية كورنثة وإنتهاءبطاغية أثنا وابنائه..وهي حقبة ذاق فيها المواطن الكثير من الظلم و الاضطهاد والمعاناة. لكن لم يحدث ان طلب أحد الطغاة من الشعب ان يسجد له عندما يشرف واحد منهم بالمثول بين يديه..
وتبعا لذلك يظل من الثواب أن نقول أن المدينة اليونانية كانت جمهورية في مقابل النظام الملكي في الشرق ..
ولهذا فإنه يقال عادة إنه بعد غزو الإسكندر للشرق انهزمت المدينة اليونانية الجمهورية وانتثر النظام الملكي ..
وانتقل مركز الثقل في العالم اليوناني نحو الشرق ..واصبح تطور النظام اليوناني أمرا محتوما،.
لقد ظل الرجل اليوناني يخضع للقانون الذي يصنعه البشر ولم يخطر بباله أن يكون الحاكم إلها،أو أنه يمثل الإله على الأرض..
وبعد غزوالإسكندر لفارس أطلق على نفسه ..سيد آسيا..تعني الإمبرطورية الفارسية ..
وبدأ الإسكندر يأخذ بعادات الشرق وثيابهم ،ويتزوج منهم ،الى أن وصل إلى أعلى عادة وهي تأليه الحاكم فأراد أن يعترف به الشعب الآسيوي ..با واليوناني أيضا..ابنا ..لزيوس..آمون..!!
وشيئا فشيئا بدأ الإسكندر يعتقد أنه إله حقا وبأكثر من المعنى المجازي لهذا اللفظ ..!!
وهكذا ابتدأت من ربيع ٣٢٧..قرن قبل الميلاد بدأت سياسة الخاصة بالمزج والإندماج العناصرالمقدونية وبالفارسية تأخذ منحى جديدا عندما أزمع على اقتباس عادة فارسية هي السجود التي كان يتعين على جميع من يقتربون من الملك أن يؤدوها.!!
فقد عارضها المقدونيون بشدة وأظهر البعص الاستياء ، واتفقوا معه على ان يقصر هذه العادة الآسيوية على الآسيويين فقط ..!!
ولا نجد سوى المصابين بجنون العظمة من امثال..كاليجولا..ونيرون..وديمتيان..،
لكن هذه كله محاولات باهتة تحاكي الأصل .:النموذج الشرقي الذي هو تأليه حقيقي للحاكم..
تأليف :أ.د.إمام عبد الفتاح إمام
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء