زورونا قبل الزواج لا بعده ؛؛؛
من الملحّ جداً في هذا الوقت بالذات ومن سعة الأفق كذلك أن يزور المقبلون على الزواج المختصين والمختصات (قبل) دخول المؤسسة لا بعدها، حتى يتمكن كل من الشريكين تعلّم الأسس والمهارات التي تؤهلهما للشراكة الحقيقية الفعّالة لنجاح مؤسسة الزواج؛ أهم المؤسسات الاجتماعية. تلك الزيارة (القبلية) تجنّبنا اللجوء الى نظام (الترقيع) للفتق الذي يُحدثه دخول المؤسسة دون خبرة وتدريب، فنُجبَر نحن أصحاب الخبرة والاختصاص في هذا المجال من استخدامه بحاجة لجوجة وإلحاح شديد أثناء الزيارة (البعدية) -أي بعد الزواج-. فلا غرابة البتّة من لجوئنا الى نظام الترقيع في تلك الحالة على وجه الخصوص كنتيجة حتمية لوجود (فتوق) لا يمكن رتقها ولا حتى إصلاحها الا (برقعها) فقط للأسف الشديد، هذا لا يقلّل بالطبع من أهمية الزيارة والمتابعة البعدية. لا مناص الآن من زيارتنا قبل الزواج مش بعده لتجنّب الرتق والرقع..
الزيارة القبلية للمقبلين على الزواج تُعلّم الشريكين أن العلاقة بينهما هي علاقة (شراكة) أهم أسسها المودة والرحمة، ليس من الحكمة على الإطلاق أن تكون العلاقة في الزواج قائمة على القيادة والتبعية؛ فمؤسسة الزواج ليست ساحة معركة فيها رابح وخاسر، وإنما هي مؤسسة يستثمر كل منهما فيها بحيث يجني العوائد بمقدار ما يقدم لها..
يتعلم الشريكان في زيارتنا قبل الزواج أن اختلاف كل منهما عن الآخر من حيث الجنس يؤدي بدوره الى الاختلاف في الاحتياجات، وطرائق التفكير والتعبير، وطرق التواصل، وفي نظرة كل منهما للحياة وشؤونها،
وأنهما مختلفان أيضاً ليس فقط من حيث (النوع) وإنما من حيث الخلفية الاجتماعية والثقافية كذلك أي (الجندر).
ولكن هذا الاختلاف من المفروض أن لا يؤدي الى إعاقة نجاح الحياة الزوجية، لأن الله سبحانه وتعالى قد خلق الجنسان مختلفين ليكمّل كل منهما الآخر، فهو حتمي وضروري لتحقيق (الوحدة) والتكامل والتكميل.
ليس بالضرورة أن يفكر الشريك بالطريقة نفسها، فما قد يُعتبر مشكلة (له) قد لا يعتبر مشكلة (لها)، والعكس صحيح دون أدنى شكّ. وكلما أدرك الجنسان هذا الاختلاف واستمتعا بوجوده لنجحت العلاقة الزوجية فيما بعد ودامت بدوام الحياة.
كما يتعلم كل منهما أيضاً أن الزواج لا يعني انسلاخ كل طرف عن عائلته ومجتمعه وأصدقائه، وأن لا تكون العلاقة بينهما مجرد مكمّل اجتماعي لإرضاء العائلة، فيبدو الزواج وكأنّه فُرض عليهما، فتغدو المسافة بينهما كبيرة جداً وتطفو المجاملة والزيف على تعاملهما معاً.
من الأجدى والأصح لمصلحة الطرفين أن تتحول الحميمية ويتحول الانتماء من الأسرة الممتدة الى الأسرة النووية، ويتحول الولاء بالدرجة الأولى لمؤسستهما الصغيرة مع الاحتفاظ بالقيام بالواجبات للأشخاص المهمين في حياة كل منهما، بشرط أن لا يكون إرضاء أي طرف آخر على حساب الطرف الأهم في العلاقة الزوجية وهو (الزوج/ة)؛ فهذا الشرط الصحّي والمطلب الشرعي أيضاً يقود كل منهما الى بناء جدران حصينة حولهما وحول مؤسستهما الخاصة تحول دون محاولة أي طرف خارجي مهما كان ولو كان قريباً من اختراقه والتدخل في شؤون حياتهما.
وأجمل ما يتعلمه الزوجان في الزيارة القبلية أن الحياة الزوجية جميلة جداً ومؤسسة رائعة كذلك إن أراد كل منهما ذلك، مع الانتباه أن تكون رؤيتهما لأمور الحياة على حقيقتها الحلوة والمرّة على حد سواء؛ فالحياة مليئة بالمطبّات والمفاجآت.
وكلما كانت علاقتهما قوية ودرجة توقعاتهما (معتدلة) فإنهما بالتأكيد سينجحان في تجاوز أي عقبة أو مشكلة قد تواجههما مهما بلغت درجة صعوبتها مداها.
كما يدرك كل منهما كذلك أن الحياة الزوجية لن تستمر (كشهر عسل) طيلة العمر، وإنما حتماً ستحدث الخلافات بينهما، وهنا يجب أن يستثمراها معاً كقاعدة لفهم الآخر أكثر، ومقاربة وجهات النظر لحين الوصول الى حالة (التعوّد) على طباع بعضهما بشكل تراكمي، مع ضرورة التركيز على تلاشي تكرار الموقف نفسه لأنه قد يؤدي الى حالة التنافر بدلاً من التجاذب بسبب الإحباط الناجم عن تكرار ذات الخطأ .
ومما يتعلمه الشريكان أيضاً أن الزواج (رباط مقدس) يجمع الاثنين مدى الحياة، فالزواج ليس عقد ورقي عند المأذون فقط، وإنما هو (عقد روحي) وارتباط أبدي ومشروع حياة اذا كان مبنياً على أسس صحيحة.
ومن الواجب استبعاد احتمالية الانفصال عند بدء الحياة الزوجية، وإنما اعتبار أبغض الحلال (الحل الحضاري) عند الاضطرار له، ولكن؛؛ بعد استنفاذ كافة الطرق في حل المشكلات وبعد المحاولات الحثيثة لإنعاش العلاقة ولتقريب وجهات النظر بينهما.
فإن بدأت الحياة الزوجية على احتمالية الانفصال أو التلويح به عند كل خلاف فحتماً سيحدث الانفصال يوما ما.
ومن الأمور الهامة التي يتعلمها الطرفان أيضاً ضرورة مرافقة نماذج الزواج الناجحة والاقتداء بها، والابتعاد عن نماذج الزواج الفاشلة.
بالإضافة الى التشديد على المقاطعة التامة ( لتسوّق) الآراء والنصائح حول العلاقة الزوجية من المحيطين، لأن هناك فروق فردية بالتأكيد ناهيك عن المفارقة في الظروف العامة وخصوصية كل علاقة وما يحيط بها من ظروف خاصة؛ فالتجربة الشخصية لا يمكن تعميمها.
انطلاقاً من ذلك يتم مساعدتهما على وضع عقد أخلاقي وميثاق زواجي خاص بهما مع الاستفادة من تجارب عوائل كل منهما وتجارب أصدقائهما دون تكرار الأخطاء نفسها والسلوكات السلبية ذاتها.
فيطوّرا معاً نظاماً قيمياً خاصاً بهما فقط يساعدهما على وضع القواعد والقوانين بكل ما يتعلق بشؤون حياتهما، على أن تناسبهما معاً بالدرجة نفسها لمنع تجاوزها، أضف الى ذلك تطوير (لغة) تفاهم خاصة بهما؛ فما قد يناسبهما لا يناسب غيرهما والعكس صحيح.
أما أهم ما يتضمن تدريب المقبلين على الزواج هو تقييم العلاقة الزوجية بشكل مستمر لتدعيم نقاط القوة وتلاشي نقاط الضعف فيها، حيث يؤدي هذا الأمر الى تقوية العلاقة الزوجية والحفاظ على ديمومتها ليس فقط من أجل "التعايش" أو العيش ضمن مبدأ "الّي برضى بعيش"، وإنما من أجل الاستمتاع (معاً) مدى الحياة في إطار مؤسسة الزواج فقط لا الاستمتاع خارجها..
إنّ عامل الوقت هو المؤشر الأساسي لقياس نجاح العلاقة الزوجية اذا كان عاملاً للتقريب بينهما وتحويل التنافر الذي يظهر في بداية العلاقة الى تجاذب مع تقادم الوقت.
وأهم ما يحقق التقييم والتقويم الصحيح للعلاقة من أجل إنجاحها وتطويرها هو اختيار (الوقت المناسب) لكل شي، وقت خاص بهما وحدهما ويناسبهما معاً بالدرجة نفسها، كاختيار وقت مناسب للحوار، والنقاش، والعتاب، والتعبير عن الانزعاج، وحل الخلافات، وترتيب الأمور المادية، وتوقيت إنجاب الأطفال، وغير ذلك من متطلبات الحياة الزوجية.
ويشمل ذلك أيضاً اختيار الوقت المناسب لتجديد الحبّ والمشاعر، أو الاحتفال بالمناسبات الخاصة.
لا شكّ بأن الحوار البنّاء القائم على الاحترام وتبادل وجهات النظر والوصول للحلول الوسط المُرضية للطرفين هو أحد مفاتيح السعادة الزوجية، الاّ أن ما يُثريها فعلاً ويحقّق النتيجة المرجوّة هو إتقان مهارات (الإنصات) جنباً الى جنب مع مهارة الاستماع للطرف الآخر، ومهارة التعبير عن المشاعر مع احترام طريقة التعبير الخاصة بكل طرف فهي ليست بالضرورة أن تكون متشابهة.
فتذكروا الفروق بين الجنسين..
وأخيراً لا آخراً من الهام جداً التركيز على تعليم الشريكين وتدريبهما على ضرورة تجنّب (الرّوتنة) في الحياة الزوجية، لأنها تقضي على الأشياء الجميلة بينهما وتؤدي الى حالة من (الرتابة) المزعجة، وبالتالي يبدأ الشعور بالملل الخطير الذي قد يقود بدوره الى البحث عن وسائل أخرى للتسلية والترفيه عن النفس وملىء الفراغ، تلك الوسائل غالباً ما تكون مؤذية ومن البديهي أن تتسبّب في إحداث المشاكل الكبيرة بينهما حدّ الشرخ؛ فإذا لم يتعلم الطرفان كيفية التجديد والتفنّن في كسر روتين الحياة اليومية، وإضفاء البهجة في الحياة الزوجية، وفي مفاجأة الطرف الآخر وإسعاده تحتضر العلاقة ببطء قبيح ومٌميت لكل شيء بهيج ..
وبكل ما سبق أيضاً نحافظ على الصحة النفسية لجميع أفراد الأسرة ونحيا في ظل أسر متوازنة لا مهلهلة، وبالتالي نعيش في كنف مجتمع سليم خالٍ من نسيجٍ هشّ تمزقه أية عاصفة هادئة كانت أم هوجاء فلا فرق بخطورتها...
ويبقى دوماً لذلك الحديث من بقية... دمتم....
د_عصمت_حوسو
بتصرف
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء