منهجية البحث العلمي
المعرفة العلمية
خطة الدرس:1- ما هية المعرفة 2- أنواع المعرفة 3- التفرقة بين المعرفة العلمية و المعارف الأخرى 4-خصائص المعرفة العلمية 5- مصدر المعرفة العلمية
1-ماهية المعرفة: قبل التطرق إلى مفهوم المعرفة العلمية نتطرق بالتحديد إلى الكلمتين المكونتين لهذا المفهوم كونهما يشكلان هذا المفهوم و يلتقيان معه في نطاق محدد وهما المعرفة والعلم.
فالمعرفة هي " مفهوم شامل وعام بكل ما يحيط بالإنسان من أحكام وتصورات و مفاهيم و معتقدات في مختلف مجالات النشاط الإنساني. " و هي تعني كذلك " ذلك الرصيد الهائل من المعارف و العلوم و المعلومات التي اكتسبها الإنسان خلال مسيرته الطويلة بحواسه و فكره وعقله." و ينظر أيضا إلى المعرفة بأنها " شبكة مفهومية تتضمن كل الأنماط المعرفية في حقبة زمنية معينة." و عليه تشمل المعرفة مجموع المعارف الروحية، الاقتصادية، السياسية، الثقافية والعلمية في الوقت نفسه.
أما العلم فهو نوع من المعارف تتسم بالوحدة و التكامل و النسقية ،كما يعتمد العلم على مبادئ تميزه عن باقي أنواع المعارف الأخرى ،و بتعبير آخر فإن العلم هو " المعرفة المصنفة التي تم الوصول إليها بإتباع قواعد المنهج العلمي الصحيح مصاغة في قوانين عامة للظواهر الفردية المتفرقة."
وعليه فإن المعرفة أشمل و أوسع من العلم، إذ يبقى العلم يقوم على دراسة و تحليل الظواهر، وهو جزء من المعرفة. بمعنى آخر أن المعرفة شاملة و عامة تتضمن مختلف الجوانب الإنسانية و في شتى المجالات و التخصصات، فإذا استطاع الإنسان في مجال معين و تخصص دقيق أن يحدد ذلك المجال المعرفي بدقة و يقوم بالتجارب العلمية ،و يصل إلى نتائج دقيقة فيما يتعلق بذلك الجانب المعرفي فإنه في هذه الحالة تصبح تلك المعرفة علما قائما بذاته.
2-أنواع المعرفة: المعرفة عملية جدلية معقدة تحدث بأشكال مختلفة ولها مراحلها، فقد تكون المعرفة حسية فيتحصل عليها الإنسان عن طريق حواسه، و هذا النوع من المعرفة يقتصر على مجرد ملاحظة بسيطة تقف عند مستوى الإدراك الحسي العادي دون أن تتجه هذا المعرفة إلى إيجاد الصلات أو تسعى إلى إدراك العلاقات القائمة بين الظواهر.
وقد تكونالمعرفة فلسفية ( تأملية) عندما ينتقل تفكير الإنسان من مرحلة الإحساس إلى التأمل في الأسباب البعيدة ( ما وراء الطبيعة ) والموضوعات المعقدة كالبحث عن الموت والحياة، وصفات الخالق ووجوده، وهذا النوع من المعرفة يتحصل عليه الإنسان بواسطة استعمال فكره لا حواسه، حيث يستخدم أساليب التفكير و التأمل الفلسفي لمعرفة السباب والحتميات البعيدة الظواهر، مما يتعذر حسمه بالتجربة.
أما إذا استطاع الإنسان عن طريق الملاحظة والفرضية والتجربة التوصل إلى تفسير الظاهرة بصورة علمية، وأن يكرر التجربة عدة مرات ليتوصل إلى نفس النتيجة، فإن المعرفة في هذه الحالة هي معرفة علمية التي تقوم أساسا على الأسلوب الإستقرائي والذي يعتمد على الملاحظة المنظمة للظواهر و فرض الفروض و إجراء التجارب و جمع البيانات و تحليلها، للتأكد من صحة الفروض أو عدم صحتها.
بمعنى أن المعرفة العلمية هي المعرفة التي تقوم على أساس المنهجية في الدراسة الشاملة للموضوع، بحيث تكون النتيجة النهائية قائمة على تحليل دقيق للحقائق، ومستندة على الأدلة و الشواهد المتوفرة على محتوى الموضوع، وهي نوع من المعرفة المتنامية باستمرار و لا يمكن أن تكتفي بما تم اكتسابه لأن هدفها هو زيادة اكتشافاتها حول الظواهر دون توقف، أي أن كل اكتشاف يؤدي إلى اكتشاف آخر و هكذا دواليك. ( وهو ما يعبر عنه عادة بتراكم المعارف الذي لا نهاية له، أو ما يعرف أيضا بتتابع ثورات المعرفة).
3- التفرقة بين المعرفة العلمية و المعارف الأخرى:
الفرق بين المعرفة العلمية والحسية: تختلف المعرفة العلمية عن الحسية فيما يلي:
المعرفة العلمية منظمة و تخضع لأسلوب علمي دقيق يعتمد على الملاحظة والتجربة و الفرضية، في حين أن المعرفة الحسية تعتمد على الحواس و ما تلاحظه من أمور بسيطة لا تتعدى الحواس.
لا يمكن التسليم بما يتوصل إليه العلم من معارف إلا بعد اختبار صحتها و التأكد من يقينها، بيد أن المعرفة الحسية تتوارثها الأجيال دوت التأكد من صدقها و صحتها.
المعرفة الحسية تتوارثها الأجيال و تقبل كما هي دون إخضاعها للتجربة، حتى و إن كانت مضللة و خاطئة، في حين أن المعرفة العلمية تتوارثها الأجيال أيضا، ولكن كل جيلا يطور فيها و يضفي عليها نتائج جديدة تكون قابلة لتطورات أخرى.
الفرق بين المعرفة العلمية والفلسفية:
المعرفة العلمية نتائجها محسومة، ويمكن التأكد منها بإجراء التجربة، أما في الفلسفة فإن الأمر يختلف إذ أن الكثير من المسائل الفلسفية لا يمكن التجربة عليها، ونتائجها محل شك و تأويل.
تستطيع الفلسفة أن تنطلق من العدم، أن تضع التساؤل حول أي قضية دون الرجوع إلى معلومات سابقة، فلا تأخذ بعين الاعتبار لما توصل إليه الفلاسفة من معارف وحقائق، أما المعرفة العلمية فتختلف، حيث أنها تعتمد كلية على الحقائق والنتائج السابقة، وبالتالي فالعالم لابد أن يبني تجاربه العلمية على الحقائق والنتائج التي سبقه إليها العلماء.
الفلسفة تهتم بالأسباب البعيدة الميتافيزيقية، في حين أن المعرفة العلمية تهتم بما هو موجود بالفعل ،كما أن الباحث العلمي يتناول الظواهر والأشياء كما هي بصورتها الموضوعية، دون أن يضفي عليها من أفكاره و شخصيته شيئا، في حين أن الفيلسوف يضفي على الفلسفة الكثير من أفكاره الذاتية .
4- خصائص المعرفة العلمية:
أ-الموضوعية: نقيضها الذاتية وهي تعني الغياب الكامل و المطلق لذات الباحث ( مزاجه، ثقافته، إيديولوجيته وأحكامه المسبقة و استنتاجاته) في عمله العلمي ،أي في جميع مراحل و خطوات البحث العلمي، سواء فيما تعلق ببناء الموضوع و صياغة الإشكالية أو عند بناء الفروض العلمية، أو عند إقامة التجارب العلمية ،وذلك حتى يصل الباحث إلى حكم علمي دقيق يمكن تعميمه.
وفي هذا الصدد يقول باشلار " العلم يقرب الناس بعضهم من بعض و الأهواء و المصالح تفرقهم، لأنه العلم يستخدم الأدلة العقلية و البراهين المنطقية المستقلة عن العوامل الشخصية و الذاتية."
ب-الوضعية: وهي نقيض الغيبية و الميتافيزيقا، و تعني الوضعية الاشتغال بالمواضيع و المسائل و القضايا التي يمكن أن نصل إليها مباشرة و التي هي موجودة إما كواقع عيني أو كواقع ذهني.
ج-التعليل: و يعني البحث في العلل و الأسباب، بمعنى على الباحث أن يهتدي إلى الأسباب الحقيقية و العلل الفاعلة لظاهرته التي يدرس، فهو غير مطالب بوصف الظاهرة بقدر ما هو مطالب بالكشف عن العلاقات السببية الموجودة بين الظواهر ،فالمعرفة العلمية الصحيحة هي التي تكون بواسطة العلل.
د-الواقعية: وهي التي تقوم على استقراء الظواهر و الخبرات التي نعيشها واقعيا، لا التي تدخل في نطاق الخيال و التصورات.
ه-الدقة: تعتبر من أهم الدعائم التي يقوم عليها الفكر العلمي، حيث تتميز المعرفة العلمية بالدقة سواء في المفاهيم أو التساؤلات، أو دقة الفروض و التجارب و الاستنتاجات و التعميمات.
ي-التعميم: دقة النتائج و النظريات العلمية هي ما تمكن البحث العلمي من القيام بعملية التعميم و التي تعني في مدلولها المنطقي جعل الكل يحمل حكم الجزء أو بعض الأجزاء، و هو ما يعرف بعملية الاستقراء الناقص الذي يقوم عليه البحث العلمي، حيث يكتفي الباحث بدراسة بعض الحالات ،ثم يقوم بتعميم الحقائق التي وصل إليها على الحالات التي لم تدرس، في حين يقوم الباحث في الاستقراء التام بملاحظة جميع مفردات الظاهرة التي يقوم ببحثها، ويكون حكمه مجرد تلخيص للأحكام التي يصدرها على كل مفردة من مفردات البحث.
ك-النسبية: دقة النتائج و النظريات العلمية لا يعني من جهة أخرى التعامل معها على أنها حقائق مطلقة لا يحق البحث فيها من جديد، بل ما يؤمن به العقل العلمي هو أن النظرية العلمية صادقة و دقيقة فقط في بعض جوانبها، وبالتالي فهي دوما في حاجة إلى إضافة وتعديل، فالطابع النسبي للمعرفة العلمية لا يعني علامة نقص و قصور في تفسير الظواهر بل المقصود هو أن العلم في حركة دائبة و استمرار حيويته.
و-التعبير الكمي: لم تكتسب المعرفة العلمية طابعها العلمي إلا حينما اعتمدت على التكميم، فيقال أن تقدم العلم هو تقدم القياس، حيث الثابت في تاريخ الفكر العلمي و النظريات العلمية أنها لا تتعامل مع الوقائع على أنها كيفيات، بل يتم تحويلها إلى كميات حتى نتمكن من دراستها و توفق في التعبير عنها.
وفي هذا الصدد قال أرسطو " الأصوات و الألوان لم تتحول إلى وقائع علمية إلا بعد ما فسرت تفسيرا كميا."
5- مصدر المعرفة العلمية: هل مصدر المعرفة العلمية هو الاستقراء أو الاستنباط أو هما معا؟
أطروحة الاستقراء: الاستقراء العلمي هو استدلال مستمد من ملاحظة وقائع خاصة، بهدف استخلاص افتراضات عامة، حيث تقول هذه الأطروحة أن المعرفة العلمية ناشئة أصلا عن ملاحظة الواقع، بمعنى أنها تمنح الأسبقية لجمع الملاحظات عن الظواهر، بهدف الاستنتاج الممكن للافتراضات العامة.
أطروحة الاستنباط: الاستنباط العلمي هو استدلال مستمد من افتراضات عامة بغية التحقق من صحتها في الواقع، و تدعي هذه الأطروحة أن العلاقات الممكنة بين الظواهر ما هي إلا بناءات فكرية يمكن التحقق منها في الواقع لاحقا، وعليه و حسب هذه الأطروحة فإن الافتراض يبنى أولا ثم يتم التحقق منه لا حقا.
اعترف برنار بصعوبة الفصل الدقيق بين الاستقراء و الاستنباط ،ففي الوقت الذي نعتقد أننا بصدد الاستقراء فقط، يمكن أن تتدخل محاولات التفسير الناتجة عن الاستدلالات السابقة، والعكس ،ففي الوقت الذي نعتقد فيه أننا بصدد الاستنباط يمكن أن ينشأ الاستدلال الذي أقمناه دون أن يكون لدينا أي شك في الملاحظات التي قمنا بها سابقا.
وعليه فإن كل من الاستقراء والاستنباط يقوم بأدوار متكاملة و أساسية في الممارسة العلمية، فالعلاقة بينهما علاقة مستمرة.
مصادر
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء