pregnancy

الكتابة على الرمل








"الكتابة...على الرمل" 
................................................................................
أن تعرف ماذا تكتب... فتلك هي "نصف الكتابة".. اما ان تعرف "لمن تكتب" فتلك هي الكتابة بأكملها!. 
وماذا تبقى من الكلمات للكتابة.. هل تلقى الافكار على البياض المستفز لتوضع بعدها في ثلاجة الورق أو في ركن مهمل من خزانة الرأس... لكن تبقى اجمل الكلمات ملتصقة في الداخل.. كعذراء خجول.. تخشى الخروج إلى الضوء حتى لايحرقها الحبر.. لتبقى سجينة في اقفاص الذاكرة. 
الم يخاصم "هيجو" قلمه.. فترك أوراقه تتطاير في العاصفة.. ريثما تزهر قصائده!. 
ألم يهجر "بودلير"  أوراقه "أزاهير الشر" .. لتحترق في قلبه.. وقد سئم الجلوس في المحكمة امام القضاة بتهمة "الكتابة الخارجة عن المألوف"!.
و" فلوبير" صاحب رواية "مدام بوفاري"  الذي اتهم بخدش الحياء..برغم استنكار بائعات الهوى في "البيغال والسان دونيز" من أن يلصق مثل ذلك الاتهام "البرىء" على ظهر فلوبير بعد ان وشم على أكتافهن الغضة... ولم يخرجه من قفص الاتهام سوى كلمة بسيطة من سيد كتاب فرنسا "فيكتور هيجو" :
"لقد كتبت كتابا جميلا.. ياسيدي"!. 
 وحين سئل" سارتر".. عن اصعب لحظات الكتابة توقع الجميع ان تكون لحظة "ولادة الرواية" ولو كانت قيصرية.. أولحظة خروج الحبر من القلم إلى الورق.. لكنه اجاب ببساطة.. :"ان يقع كتابي في يد قارىء... نصف مثقف"!. 
فهل نريد قارئا نكرة... أم بال التعريف!. 
المهم ان لاتتحول عواطف المتلقي وأعصابه إلى" أسلاك شائكة".. او ينقلب إلى "كائن رقمي" يتنفس " دخان النت"  كمخلوق الكتروني.. يذكر بما توصم  الايطاليات ازواجهن حين يهملهن: " دع النساء وشأنهن.. وانصرف إلى الرياضيات"!. 
فالكتابة.. هي ان تعري العالم من القشور السميكة التي تغلفه..ان تكسر قشرة "الجوز الصلبة" بريشة القلم وتظهره عاريا كما خلقته أمه على رؤوس الاشهاد.. ان تنفذ بريشة القلم إلى ماخلف الحبر والورق.. 
لكن ايهما ابدع الرسم ام الكتابة... يقول"هنري ميشو".. :
"مع الكتابة اشعر بالشيخوخة.. ومع الرسم اشعر بالشباب".
عند " مونتاني".. تأتي الكتابة في المرتبة الثالثة.. بعد الصداقة.. ومعاشرة النساء!. 
لاأدري هل تتساوى الوجبة الطعامية مثلا بالوجبة الثقافية!. 
وقد شرخ" ويلسون" بمشرطه الحاد شخصية الكاتب ذاته في كتابيه "اللامنتمي" و"مابعد اللامنتمي" و وضع الجميع تحت عدستي نظارتيه السميكتين.. أمثال"باريوس" و"كافكا" و "نيتشة" و"ت س لورنس" و"ويلز"... ليسقط القناع الورقي عن وجوههم كاشفا لون حبرهم!. 
فان تنجز كتابا في عصر الرقائق الالكترونية هو "أصعب بقليل من السفر إلى المريخ.. وبطائرة ورقية"!. 
تبقى العبثية والخيال واللغة والاسلوب والزمان والمكان والشخصيات والمحمول الثقافي.. هي ادوات الكتابة والتي بدلت اثوابها وباتت "بنصف كم" و "تلبس على الوجهين" أيضا في زمن المتغيرات الكبرى والرواية الحداثوية... والتي خرجت عن مراسيم الرواية "البلزاكية"  الكلاسيكية"..( الاقناع والتبرير والسببية والتوسل.. ). 
لكن( لاتصلح الرواية بدون خيال) كما يقول"دوستفسكي".. 
والاتتحول ريشة القلم الى سكين.. والحروف الى كتابة على الرمل!. 
ويبقى القارىء في نهاية الجملة هو الذي يضع اشارة الاستفهام او التعجب!. يقول"بارت "( مولد القارىء يجب ان يكون على حساب المؤلف).. فالضوء يسقط في النهاية عند اسدال الستارة في المسرح... على الجمهور!!. 
على اية حال من الصعب ان تكون انت نفسك بعد قراءة اي عمل ابداعي.. وكما يقال: " ثمة كتاب واحد يحاول جميع المبدعين كتابته"!. 
فهل للكلمات... رائحة!!!.
د. فارس الحاج جمعة 
روائي.. حائز على جائزة الإبداع الادبي والنقد من دار الفكر بدمشق ودار الفكر المعاصر في بيروت.. عن روايته "على لائحة الانتظار". 
"عضو اتحاد الكتاب العرب ".

شكرا لتعليقك