pregnancy

المؤمنون والتقدميون وأشياء أخرى







المؤمنون والتقدميون وأشياء أخرى 
................................................................................................................................................

كما أن المؤمنون يحملون أفكارا مسبقة وخلفية تجارب سيئة تتمثل بالحقبة السوفيتية والستالينية تحديدا تجاه التقدميين والفكر التقدمي على العموم، فإنه بالمقابل يحمل التقدميون أفكارا بالغة السوء وتجارب قاسية عن الفكر الديني. عربيا لا تزال ظلال التخلف من الإمبراطوريات الإسلامية العثمانية والسلجوقية والصفوية تداهم أنوار الحداثة والنهوض. أما التجربة الحديثة نسبيا فلم تكن أقل ضرورة بل كانت اشد فتكا وأعتى، فمن الاستسلام والاستلاب الصوفي إلى الميكافيلية الإخوانية إلى الإرهاب الوهابي وثمراته الصهيونية المعاصرة القاعدة وأخواتها داعش وغيرها.

كل هذا ترك جرحا غائرا في عقل وقلب العلماني عموما والتقدمي اليساري خصوصا؛ فهو بسبب الويلات الدينية -إن صحت التسمية- لم يعد حياديا تجاه الدين بل أصبح معاديا له، وخصوصا الدين الإسلامي، وهو بذلك ودون قصد منه ربما وقف في نفس الخندق الإمبريالي الصهيوني المعادي لكل عناصر الحضارة المشرقية الآرامية العربية ومن ضمنها العنصر الديني الإسلامي والمسيحي. وقد أعلنها بوش الأبن صراحة في تصريحه الشهير حينما قال منتشيا بعد غزو العراق (إنها حرب صليبية). حقيقة كثير من التقدميين إثر ذلك -اي إثر تموضعهم موضوعيا في نفس الموقف الإمبريالي المعادي للإسلام- راجعوا موقفهم ونظرتهم للقضية، إلا أن غالبية هذه المراجعات لم تتمخض عن نتائج حميدة فقسم من التقدميين وهو الأقل ثقافة وعمقا معرفيا ارتد إلى الإسلامية دون تمحيص أو تدقيق وابتلع كل الإسلام المعاصر بشوائبه وغثه وسمينه مقدرا أن المعركة وجودية ومجتهدا بأن لا وقت للاجتهاد. وجزء آخر لا يستهان به انقلب على عقبيه متحولا إلى الليبرالية لا يمانع أن الولايات المتحدة الأمريكية تهيمن على العالم طالما أنها تستحق ذلك بعد تصدع الاتحاد السوفيتي وانهياره.  من الواضح أن سقوط المنظومة السوفييتية كان له أثر كبير في هذا التحول؛ فكل الذين يؤمنون بالقوة غيروا مواقفهم بسرعة الضوء حينما توضح أن عصا القوة بات بيد الأميركان، هؤلاء وما أكثرهم غرائزهم أقوى من عقائدهم، فحلت محلها ذهنية الهرب والتخلي محل ذهنية الصمود والثبات، وهذا ما حدث انتقلوا إلى المعسكر المعادي ولو ضميريا؛ فلم تعد الولايات المتحدة الأمريكية المعبر الأوفى عن الإمبريالية الصهيونية، بل غدت دولة ديمقراطية كبرى تسعى إلى تأمين مصالحها ومصالح شعبها في العالم .
ولكن الإمبريالية لا ترحم ولا يهمها من يؤيدها عقائديا وفكريا طالما لم يصل إلى (منزلة) الخيانة وطالما لم يوقع كتابيا أو شفهيا على حق الكيان الصهيوني في الوجود والنمو المتسرطن متى استطاع إلى ذلك سبيلا
وعلى الجانب الآخر انحنت السلفية الإسلامية الصفراء بشقيها الإخواني والوهابي وقبلت أقدام الصهيوني -قبل الامبريالي- على أمل أن يقبل العم سام أن تحل محل الأنظمة العروبية العسكرية. صمت العم سام وتكلم بشكل غير مفهوم، راح المحللون يفسرون البرطمة المتواصلة في حين كان واضحا أنه يريد مزيدا من الوقت لتحقيق مزيد من التنازلات من الطرفين الإسلاموي وما تبقى من الفلول التقدمية؛ ويريد أيضا مزيدا من التناقضات المجتمعية حتى تحين لحظة تفجير الداخل من الداخل.
نلاحظ هنا كيف أن الطرفين الإسلاموي السلفي والتقدمي المنسلخ نحو الليبرالية أصبحا في جيبي النمر الأمريكي، أحدهما في الجيب اليمين والآخر في اليسار.
هنا قد تبدو العقلية الثورية الأناركية المؤججة للفوضى والقاتلة لكل ما هو مدروس ومنظم ذهنية ممتازة لحشد التناقضات الفكرية في عملية (ثورية) واحدة تتعلق بأهداب الغرب كل الغرب. وهذا ما حدث بالفعل لاحقا تحت ستار الربيع العربي المنفس والمزيف للتغيير الحقيقي الذي لم يولد بعد
نسأل من الذي بقي من هذين؟ أقصد اليسار التقدمي، واليمين المتدين! حقيقة تخبرنا كل الوقائع أن من بقي هم الأشراف من الجانبين هم الذين بقيا قابضين على جمرة أفكارهم وعقائدهم. الأشراف فقط هم الذين بقوا يؤمنون بالله تعالى وبرسوله دونما أن يركعوا للتنمر الأمريكي؛ الأشراف فقط بقيوا على أفكارهم اليسارية التقليدية أو المحدثة دون أن يقبلوا أيدي الغرب وسياساته المتصهينة التآمرية.
ولكن ما الذي يجري لماذا يسوق للعداء المطلق بين الطرفين بدعوى التناقض بين الإسلامية والعلمانية. ألا ينطوي هذا التناقض على العاب خفة مركبة يختلط بها الصالح بالطالح. ألم يعد جائزا ومقبولا أن نفتش عن المضمون؛ فقبل أن تحدثني عن المؤمن أخبرني عما إذا كانت قبلته القلبية هي البيت الحرام أم البيت الأبيض 
وقبل أن تصفه بأنه يساري تقدمي قل إن كان لديه رفاق أمميين في (إسرائيل).
إنهم ببساطة يريدون أن يلتهمونا بالتقسيط أو لقمة واحدة ثم يخرجوننا (كفضلات) في أنحاء العالم، وهذا لن يكون خيارنا طالما نحن بعقولنا 
ربما قد بدأ الفجر حقا وربما آن لنا -نحن الشعب- ألا نكون (مساكين) بعد اليوم فقد تبين الخيط الأبيض من الأسود 

علي حسين  الحموي
شكرا لتعليقك