pregnancy

العادات السبع للناس الأكثر فاعلية







العادات السبع للناس الأكثر فاعلية
..............................................................................

يروي «ستيفن كوفي» في كتابه «العادات السبع للناس الأكثر فاعلية» قصته مع رجل ركب معه المترو يوماً مصحوباً بأطفاله الذين كانوا يقفزون من كرسي إلى آخر، وكان صراخهم يكاد يصمّ آذان الركّاب دون أن يتكلف الأب حتى عناء النظر إليهم. لم يحتمل كوفي تلك الفوضى، فهجم على الرجل بكلام قاسٍ وطلب منه أن يضبط أطفاله.
انتبه الرجل فجأة وقال له:«اعذرني، فلقد توفيت أمهم في المستشفى قبل قليل ولم أنتبه لهم من هول الصدمة، أنا آسف» عندها لم يعرف كوفي ماذا يفعل، وتمنى لو أنه تريّث قليلاً قبل أن يحكم على الرجل بأنه مُهمِل.
إن ما قام به كوفي هو تصرف مألوف يمتهنه بنو البشر، فلا يكاد أحدنا يرى شخصاً غريباً، حتى يبدأ بإطلاق أحكامه عليه، وخصوصاً إذا كان ذلك الشخص ينحدر من ثقافة أخرى أو من معتقد آخر.
كلّنا يحمل في داخله قاضي صغير، ولكنه ظالم في كثير من الأحيان، ومتسرع في إطلاق أحكامه.. قاضٍ لم تنصّبه المحكمة، بل إنه حتى لم يدرس القانون، فهو نتاج لصراع الإنسان مع ذاته، وعراكه المستمر مع نفسه.. ولذلك، يرفض هذا القاضي أي صلح بين المرء وبين نفسه.
لكي تتصالح مع الآخرين عليك أولاً أن تتصالح مع ذاتك، وأن تقبلها بكل عيوبها، بضعفها وبزلاتها دون أن تحكم عليها، ودون أن تصنّفها أيضاً. عليك ألا تقهر نفسك، ولا تهينها ولا تحقّرها، فكما تدينها تدينك، والجزاء من جنس العمل. أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تَقْبل الآخر بكل اختلافاته وتناقضاته، ليس لأنك تحبه، ولكن لأنك، ببساطة، لا تكرهه.
أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تترك الوعظ جانباً وتهبط إلى المجتمع حتى تفهم مكوناته، وتستوعب تقلّباته التي تشكّل، في خضم تناقضاتها، نسيجه اللامحدود، الذي لم يزده الوعظ تماسكاً. يعتقد ابن خلدون بأن الوعظ، في أحيان كثيرة، يؤدي إلى سفك الدماء، فالناس، لبساطتها، تثيرها المشاعر، ويهيجها الكلام الوعظي، فتندفع كبركان ثائر، ليدمّر الأخضر واليابس. انظر إلى الشباب من حولك، هل زادهم الوعظ صلاحاً؟
أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تدرس الواقع كما هو، دون أن تفرض عليه قوانينك أو معتقداتك أو تعاليمك، ودون أن تنصب ثقافتك كميزان لقياس مدى صلاح المجتمع، فكل يعتقد بأن ثقافته هي الأصوب. أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تتخلى عن الخرافة، ولن يتأتى لك ذلك إلا من خلال العلم. فكما تقول الحكمة: كلّما زاد العلم، قلّت الخرافة.. تأمّل قليلاً وستعرف ما هو العلم، يقول كونفيشيوس:«لكي تصل إلى المعرفة عليك أن تبدأ بالتفكير».
أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تدفع بالتجريد إلى حده الأقصى، لكى ترى الوجود الخالص المجرد من كل ما هو حسّي، وكل ما هو تاريخي.. يعني ذلك أن تنسى تاريخك، للحظات، وتبدأ تاريخاً جديداً، تستهله بحلم أو طموح، تاريخٌ يبدأ بكلمة «اقرأ».
عندما ترى شخصاً ما يقوم بفعل سيء، في عُرفِك، فلا تحكم عليه بأنه إنسان سيء، فلقد قال الفلاسفة، بعد ألفي عام من النقاش، إن جوهر الشيء
لكي تتصالح مع ذاتك عليك أن تعود بذاكرتك إلى الوراء، وتبدأ منذ أول ذكرى في حياتك، وعند أول معلومة حفظتها، ثم قم بمسح كل ذكريات العنف والأسى والقهر، وامسح كذلك كل ما حفظته من شعر الحماسة وشعر الهجاء، 
أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تناهض التعميم، وتعارض فكرة الشمولية. فالتعميم يلغي خصائص الأشياء ويمحق صفات الناس المتباينة، ليحيلهم جميعاً إلى قالب واحد، أشبه بالحجر في قسوته، وأقرب إلى الفخار في هشاشته.. التعميم يلغي مميزات الأشياء، تماماً مثلما يلغي الظلام كل الألوان.. التعميم هو أقرب وصف للظلام.
المتصالح مع ذاته يشبه النهر الذي يستمر في صبّ مياهه العذبة في البحر المالح على الرغم من علمه بأنه لن يحيله حلواً، فهو يعلم بأن مهمّته تكمن في ري الأراضي التي يمر عليها، وليس في تحلية مياه البحر.
المتصالح مع ذاته ينصت كثيراً، ليفهم أكثر، ينصت للأفكار التي يبثها الناس في السماء من حوله، تلك التي تحلّق وتحط على الصامتين، المنصتين، المتأملين، الذين يظنون بأن الفكرة لا تحلّ إلا على من يستحقها فقط.
السماء لذلك المتصالح هي مصدر الحكمة، والأرض هي مصدر الشقاء، لذلك تجده يطيل النظر إلى السماء دائماً، حتى يتحلى بصفات أهلها. تقول الحكمة:«الأشخاص العظام يناقشون الأفكار، والأشخاص العاديون يناقشون الأشياء، أما الأشخاص الصغار، فإنهم يناقشون الأشخاص».
.منقول

شكرا لتعليقك