الدولة السلجوقيَّة (١)
....................................................................................
أو دولة بني سلجوق أودولة السَّلاجقة العظام (يُطلَق عليها الاسم الأخير لتمييزها عن دول السَّلاجقة اللاَّحقة التي ظهرت بعد تفكِّكها وانهيارها) هي واحدة من الدول الكبرى في تاريخ الإسلام وإقليم وسط آسيا، لعبت دوراً كبيراً في تاريخ الدولة العباسية والحروب الصليبية والصِّراع الإسلامي البيزنطي. تأسَّست الدولة على يدسلالة السَّلاجقة، وهي سلالة تركيَّة تنحدر من قبيلة قنق التي تنتمي بدورها إلى مجموعةأتراك الأوغوز.حكمت الدولة السلجوقيَّة في أوج ازدهارها كافَّة إيران وأفغانستان ووسط آسيا وُصولاً إلى كاشغر في الشرق، فضلاً عن العراق والشام والأناضول غرباً وُصولاً إلى مشارف القسطنطينية. قامت الدولة منذ عام 1037م (429 هـ) عندما دخل مؤسِّسها طغرل بك مدينة مرو في وسط آسيا، وحتى عام 1157م (552 هـ) عند مقتل السلطان أحمد سنجر، الذي تفكَّكت الدولة بعده إلى ولايات منفصلةٍ حكمت أجزاءً مختلفة من وسط وغربي آسيا.
ينتمي السلاجقة إلى قبيلة قنق إحدى العشائر المتزعمة لقبائل الغز التركية. دخلت هذه العشيرة في الإسلام أثناء عهد زعيمها ومؤسِّس السلالة سلجوق بن دقاق سنة 960م. دخلوا بعدها في خدمة القراخانات حُكَّام بلاد ماوراء النهر، وحازوا نفوذاً عالياً في دولتهم. ظهرت الدولة السلجوقيَّة عندما قاد طغرل بك حفيد سلجوق حرباً مع الدولة الغزنوية في إقليم خراسان الكبرى، تمكَّن على إثرها من انتزاع مدينتي مرو ونيسابور في عام 1037م (429 هـ). انتصر طغرل في العام ذاته بمعركته الكبرى مع الغزنويين، وهي معركة داندقان، التي كسرت شوكة دولة الغزنويِّين وأدَّت إلى الظهور الحقيقي للدولة السلجوقية.
استأنف طغرل تقدُّمه نحو الغرب بعد أن أمَّن خراسان فخاض حرباً مع الدولة البويهية في إيران والعراق، واستغلَّ فرصة استنجاد الخليفة العباسي القائم بأمر الله به ليسير نحو بغداد وينتزعها، وقضى بذلك على الدولة البويهية (التي كانت واحدةً من القوى الكبرى في فارس لقرنٍ ونصف) في سنة 1055م (447 هـ). بعد موت طغرل ورث ابن أخيه ألب أرسلان مقاليد الحكم، فتابع توسعة الدَّولة بخوض حربٍ جديدة مع الإمبراطورية البيزنطية، التي انتزعَ منها جورجيا وأرمينياومُعظم الأناضول في أعقاب انتصاره السَّاحق عليها بمعركة ملاذكرد سنة 1071م (463 هـ)، وتمكَّن من مدِّ مساحة الدولة إلى سواحل بحر إيجة. توفي ألب أرسلان بعد معاركه مع البيزنطيين بسنواتٍ قليلة، فتولَّى الحكم ابنه ملك شاه، الذي وَسَّع الدولة بفتح أجزاءٍ من بلاد الشام بما فيها مدينة القدس.
منذ وفاة السُّلطان ملك شاه انتهى عصر النفوذ العسكريِّ السلجوقي، وبدأت الدولة بالانحدار والضعف تدريجياً. فقد ظهرت في أواخر عهده جماعة الحشاشين التي سبَّبت اضطراباتٍ كبيرة في شمال إيران، كما وبدأت في السنوات اللاحقة الحروب الصليبية التي خسرها السلاطنة السلجوقيُّون بعد عدَّة معارك تكبَّدوا فيها هزائم شديدة، وخسروا للصليبيِّين أجزاءً واسعة من دولتهم بما فيها الكثير من مدن الأناضول وبلاد الشام. انتهت دولة السَّلاجقة العظام في سنة 1153م (548 هـ) عندما ثار الأتراك الأوغوز على السلطان السلجوقي أحمد سنجر وزجُّوا به في السِّجن. تفكَّكت الدولة وانهارت بعد ذلك، إلا أنَّ فروعاً مختلفة من سلالة السلاجقة تمكَّنت من البقاء بعدها وحكمت أجزاءً كبيرة من البلاد الإسلامية، ومن أبرزهم سلاجقة الرومفي الأناضول وسلاجقة كرمان في فارس وسلاجقة العراق وسلاجقة دمشق وحلب في الشام.
التأسيس
خريطة تقريبية لمدن وسط آسيا وحدود الدولة السلجوقية والدول المجاورة لها في عام 432 هـ عندما اعترف الخليفة العباسي لأول مرة بالدول السلجوقية.
يَعود أصل السلاجقة الأتراك إلى قبيلة "قنق"[التركية] (بالتركية: kınık)، وهي إحدى قبائل الغز الثلاثة والعشرين الذين يُشكلون فرعاً من الأتراك. ولقد بدأت هذه القبائل منذ النصف الثاني من القرن السادس الميلادي سلسلة من الهجرات الكبيرة إلى أرض الأناضول لأسباب متعددة، ربما تكون قلة الغذاء والأراضي بشكل رئيسي. لكن أثناء الهجرة استقرت القبيلة لفترة من الزمن في جرجان وطبرستان وعمل أفرادها هناك في خدمة ملك تركي يُدعى "بيغو"، وكان منهم سلجوق بن دقاق الذي كان من كبارهم وحصل على رتبة "سباشي" أو "قائد الجيش" عند الملك التركي. لكن بسبب قوة سلجوق وتبعية أفراد القبيلة الكبيرة له وطاعتهم لأوامره، فقد بدأ بيغو يَقلق حول سيطرته على الجيش التركي وخشيَ من سلجوق، حتى أنه بدأ يُدبر لقتلهِ، وعندما علم سلجوق بالأمر جمع قبيلته ورحل إلى مدينة خجندة قرب نهر سيحونفي حيث كان الحكم الإسلامي سائداً في المنطقة، وهناك أعلن إسلامهِ وأخذ يُحارب الأتراك الوثنيين في منطقة تركستان.
وبحلول القرن الخامس الهجري كانت قوة السلاجقة قد تعالت وأصبحوا دولة قوية، مما بدأ يُثير قلق السلطان محمود الغزنوي حاكم الدولة الغزنوية في بلاد الهند وفارس.وبسبب هذا قام محمود بشن حملة على السلاجقة عام 415 هـ، انتهت بالقبض على سلطانهم أرسلان بيغو وعدد كبير من أتباعه، وأرسل أرسلان إلى سجن قضى فيه أربع سنوات ثم مات.لكن في عام 419 هـ ثار السلاجقة وخرجوا عن سيطرة محمود، فأرسل إليهم بعض الجنود لكنهم هُزموا وتابع السلاجقة سيرهم عبر بلاد ما وراء النهر، فدمروا ونهبوا العديد من المدن،فأرسل إليهم محمود الغزنوي أمير طوس الذي أستمر بملاحقتهم سنتين في تلك البلاد. لكن في عام421 هـ توفي محمود دون أن يَقضي على السلاجقة، فسار ابنه مسعود بن محمود إليهم حيث طلبوا الصلح، وبهذا توقف النزاع بين الطرفين لفترة قصيرة. وما إن سار مسعود إلى الهند لقمع تمرد آخر ثار السلاجقة مُجدداً، فأرسل إليهم جيشاً التقوا معه في نيسابوروهزمهم، ولذلك انسحبوا إلى الري فنشبت بينهم وبين مسعود آخر معركة واستطاع أن يَهزمهم ويخضعهم.
ولكن كل الحروب المذكورة سابقاً قادها أتباع أرسلان بيغو الذي قبض عليه محمود الغزنوي على أيامه، لكنهم هُزموا بعد حربهم مع مسعود، في حين أتى مكانهم طغرل بك بن ميكائيل - ابن أخي أرسلان - الذي قاد حروب السلاجقة بعد ذلك وقام بتأسيس الدولة السلجوقية. لكن في هذا الوقت وبعد هزيمة أتباع أرسلان كان يُريد "علي تكين"أن يُصبح هو قائد السلاجقة، فاستدعى "يوسف بن موسى بن سلجوق" (ابن عم طغرل) وأكرمه كثيراً وحاول استمالته إلى طرفه لكي يُساعده ضد طغرل، لكن عندما علم يُوسف بذلك رفض ولم يَقبل بمعاونته، وبعد أن يأس علي تكين من استمالته قام بقتله. وقد كبر قتل يُوسف على طغرل، فجمع عشائره ولبسوا ثياب الحداد وجمع ما استطاع من الترك للثأر، وجمع علي تكين جيوشه أيضاً، ثم التحم الجيشان وهُزم جيش علي.وبعد ذلك استمر طغرل بملاحقته، فجمع علي كل جيوشه وكل من استطاع من الأتراك والتقى مع جيوش طغرل في معركة ضخمة عام 421 هـ هُزم فيها طغرل وقتل الكثير من جنده.
يتبع
من مصادر .....
الصورة : خريطة تقريبية لمدن وسط آسيا وحدود الدولة السلجوقية والدول المجاورة لها في عام 432 هـ عندما اعترف الخليفة العباسي لأول مرة بالدول السلجوقية.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء