الدولة السلجوقية (٣ )
......................................................................................
بعد فتح طغرل بك للعراق توقف عن الحرب، وقضى معظم السنوات الباقية من عمره في بغداد، وتزوج هناك من ابنة الخليفة القائم بأمر الله. ثم في الثامن من رمضان عام 455 هـ (1063 م) توفي وعمره سبعون عاماً في مدينة الري. لم يُنجب طغرلٌ أولاداً، ولذا فقد أوصى بأن يَحكم من بعده ابن أخيه "سليمان بن داود"، لكن العامة فضلوا ألب أرسلانحاكماً لهم فعيّنه وزير طغرل - عميد الملك الكندري - حاكماً للسلاجقة مع أنه كان يَود العمل بالوصية. ومع ذلك فعندما تولى ألب أرسلان الحُكم عزل عميد الملك ثم قتله، وعيّن مكانه نظام الملك الذي كان وزيره قبل أن يَحكم بزمن طويل، والذي يُعد أيضاً من أشهر الوزراء في التاريخ الإسلامي.
أسرع ألب أرسلان بتوطيد الحكم في الدولة السلجوقية بعد أن استلمه، فانشغل خلال عامه الأول بمحاربة عدة فتن ظهرت في البلاد. وما إن انتهى من تلك الفتن تحرّك في عام 456 هـ متجهاً إلى أرمينيا لمحاربةالروم،وعندما وَصل إلى أذربيجان التقى بجماعة من المحاربين يُقاتلون نصارى المنطقة، فالتحقوا به وعرضوا عليه أن يُساعدوه كدليل في تلك البلاد. استمر ألب أرسلان بالسير مع هؤلاء المحاربين حتى وصلوا نقجوان، وهناك توقف لجمع الجنود والسفن استعداداً للغزو، وبعد أن جهز قوّاته أرسل الجيوش مع ابنه ملكشاة ووزيره نظام الملك. وقد وصل ملكشاة أثناء سيره إلى قلعة للروم ففتحها، ثم وصل إلى "قلعة سرمباري" ففتحها أيضاً هي وقلعة أخرى بجانبها أراد تخريبها لكن نظام الملك نهاه عن ذلك، وقد سلّما جميع القلاع إلى أمير نقجوان. استمر ملكشاة بالغزو بعد ذلك حتى استدعاه والده، فأخذ الجيوش وسار لفتح المزيد من المدن. وبعد عدة غزوات وصل ألب أرسلان إلى "مدينة آني"، وهي مدينة حصينة حولها نهران، ويُطوقها خندق وراءه سور مرتفع من بقية الجهات، فحاصرها وحاول فتحها لكنه فشل، وبدأ جنوده يَيأسون من فتح المدينة. فقرر أرسلان بناء برج خشبي كبير، ملأه بالجنود والرماة ووضع فوقه المنجنيقات، فاستطاعوا هدم السور واقتحام المدينة وهزموا الروم، وملك ألب أرسلان المدينةوعاد من غزوته بعد أن فتح معظم جورجياوأرمينيا وأغلب الأراضي الواقعة بين بحيرتي أوان وأرومية.
شرع ألب أرسلا ن في عام 462 هـ بغزو بلاد الشام، فأجبر حاكم الدولة المرداسية - محمود بن صالح بن مرداس - في حلب على الخطبة للخليفة العباسي، وبعث بجيش إلى جنوب الشام فتح الرملة وبيت المقدس الذين كانا تحت سيطرة الدولة الفاطمية. وفي عام 463 هـ سار ألب أرسلان إلى إلى الرها، فقام بردم الخنادق حولها وبحفر الفجوات في أسوارها وبقصفها بالمنجنيقات لمدة شهر لكنه باء بالفشل، فتركها وسار إلى حلب ومعه 4 آلاف جندي. أرسل ألب أرسلان برسول إلى أمير حلب يَدعوه إلى طاعة السلاجقة وفتح بوابات المدينة لهم، لكنه استكبر ذلك فبدأ بجمع الجنود وبتجهيز المدينة لمقاومة الحصار. فأتى أرسلان إلى حلب عام 463 هـ وحاصر الأمير محمود بن صالح (والذي لم يَتوقع هذا بسبب إعلانه الطاعة للخليفة والسلاجقة)، لكن بعد مضي شهرين على الحصار عجز ألب أرسلان عن السيطرة على المدينة وبدأ يَخشى من تخطيط الإمبراطور البيزنطي لغزو خراسان وأيضاً على سمعته من فشله في حصار مدينتين، فعيّن قائداً مكانه للتفرغ للحصار وسار إلى خراسان لمقاتلة البيزنطيين. لكن عندما علم محمود بهذا أسرع إلى أرسلان وطلب التوصل إلى صلح، فاشترط أرسلان أن يُعلن الطاعة والتبعية للعباسيين والسلاجقة وأن يَذهب في اليوم إلى معسكره لإعلان ذلك، وهذا ما حدث فأصبحت حلب إمارة سلجوقية. بعد هذا سار ألب أرسلان إلى المشرق لمحاربة البيزنطيين، وترك الجيوش مع بعض القادة وسمح لهم بالمحاربة في بلاد الشام، ففتحوا جبيل ودمشق والرملة وبيت المقدس وطبريةوحاصروا يافا، وكان ذلك بين عامي 463 و465 هـ (ملاحظة: لحروب ألب أرسلان مع البيزنطيين انظر أدناه فقرة "الحرب مع البيزنطيين").
ملك شاه
في عام 465 هـ توفي ألب أرسلان في أرض ما وراء النهر أثناء الحرب وعمره 40 سنة، وأوصى بالحكم بعده لابنه ملكشاه، فنُصب سلطاناً للدولة السلجوقية في العام نفسه.لكن ما إن تولى ملكشاه السلطنة حتى انقلب عليه عمه "قاروت بك"، فأسرع ملكشاه إليه وقابله بالقرب من همدان وهناك اقتتلا فانهزم عمّه واستقر الحكم لابن أرسلان. وكانت الدولة في عهده قد اتسعت اتساعاً عظيماً، فامتدت من كاشغر في أقصى المشرق (حيث توقفت الفتوح الإسلامية) إلى بيت المقدسفي الغرب، وبهذا فقد كانت تشمل كامل الجزء الإسلامي من قارة آسيا عدا الجزيرة العربيةودول جنوب شرق آسيا. يُقال عن ملكشاه أنه كان من أفضل السلاطين سيرة، وأن القوافل كانت تعبر من أقصى المشرق إلى لشام في عهده آمنة دون التعرّض إلى هجوم أو أذى.
أرسل ملكشاه خلال عهده جيوشاً مرتين متتاليتين لحصار مدينة حلب والاستيلاء عليها، لكنه فشل، فتحرّكت جيوشه (التي يَقودها أخوه "تاج الدولة تتش") جنوباً وفتحت حماة. ودمشق وأظهر حاكم حمصالطاعة لها فتركوه حاكماً.لكن في عام 472 هـ تغيّرت مجريات الأحداث عندما راسل أهل حلب "مسلم بن قريش العقيلي" لكي يُخلصهم من محمود المرداسي، فأتى إلى حلب واستولى عليها وأسقط بهذا الدولة المرداسية مقيماً مكانها الدولة العقيلية،وقد راسل السلطان السلجوقي وأعلن له الولاء وعرض إرسال مبلغ من المال كل شهر مقابل إبقائه حاكماً لحلب فوافق ملكشاه.لكن لاحقاً نشأ نزاع بين تتش (الذي ولاه ملكشاه على بلاد الشام) ومسلم بن قريش (الذي أظهر الطاعة للسلاجقة أيضاً)، وقد قتل مسلم في النزاع وتابع من بعده ابنه، لكن تتش نجح بانتزاع حلب منه فقرر ابن مسلم تسليم حلب إلى ملكشاه واستدعاه لذلك، فجاء ملكشاه من المشرق وتسلم حلب (التي تركها تتش وعاد إلى دمشق)، وسيطر ملكشاه أيضاً خلال هذه الحملة على اللاذقية وبضعة مدن أخرى.
في أواخر القرن الخامس الهجري ظهرت حركة جديدة في المشرق هي جماعة الحشاشين، والذين استولوا على قلعة ألموتعام 483 هـ، فحاول ملكشاه أن يُرسل إليهم دعاة يُعدينهم إلى المذهب السني لكنه فشل، فأرسل في عام 485 هـ جيشاً ليُحاصر القلعة لكنه هُزم مُجدداً، فقرر السلطان السلجوقي أن يَتجاهل هذه الحركة بالرغم من تحذيرات وزيره نظام الملك الكثيرة له. وعلى أي حال فلم يَملك ملكشاه وقتاً طويلاً لمقاومة هذه الحركة، لأنه توفي عام 485 هـ تاركاً دولة يَتنازعها أولاده فيما بينهم.
رسم تخيلي لملك شاه
من مصادر
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء