من كتب التراث الأدبي
الكتاب: نهاية الأرب في فنون الأدب
.......................................................................................
المؤلف: النويري
بعض ما قيل في القمر:
"وهو النير الثاني"
ذهب وهب بن منبه أن القمر موضوع على عجلة في فلك، والفلك يدور بأمر الله تعالىو إلى ناحية المغرب، والعجلة يجرها ثلمائة وستون ملكاً إلى ناحية المشرق؛ وتدوير العجلة من
تدرير الفلك الأعظم؛ وتدوير فلك القمر من تدوير العجلة.
ويقال: إن القمر كان كالشمس في الضياء. فلم يكن يعرف الليل من النهار، فأمر الله تعالى جبريل أن يمر عليه بجناحه، فمر عليه، فمحاه، فهو ما ترى فيه من السواد.
الثانية: أن يفضل فيه النور على الظلمة، وذلك في الليلة السابعة من الشهر.
الثالثة: الاستقبال، وهو كونه في البرج السابع من بروج الشمس، ويسمى الامتلاء لامتلاء القمر فيه نورا، وذلك في الليلة الرابعة عشرة من الشهر، ويسمى القمر فيها بدراً لكماله،
ويسمى بذلك لامتلائه، وقبل لمبادرته الشمس بالطلوع، وتسمى الليلة التي قبلها "وهي الثالثة عشرة" ليلة السواء لاستواء القمر فيها، وقيل: لاستواء ليلها ونهارها في الضياء، وهي ليلة
التمام.
حينئذ قمرا لا هلالاً؛ والشمس تعطيه من نورها كل ليلة ما يستضئ به نصف سبع قرصه حتى يكمل، ثم يسلبه من الليلة الخامسة عشرة، في كل ليلة نصف سبع قرصه حتى لا يبقى فيه نور فيستتر.
• وأما أسماء لياليه، فإنه يقال لأول ثلاثة منها غرر، والثانية شهب، والثالثة زهر، والرابعة بهر، والخامسة بيض، والسادسة درع، والسابعة حنادس، والثامنة ظلم، والتاسعة دآدٍ، والعاشرة ليلتان منها محاق وليلة سرار؛ ويسمون الليلة الثامنة والعشرون الدعجاء، والليلة التاسعة والعشرين الدهماء، والليلة الموفية ثلاثين الليلاء، ويسمونها ليلة البراء لتبرى القمر من الشمس.
• ما يتمثل به مما فيه ذكر القمر:
يقال في أمثالهم:
أضيع من قمر الشتاء! قيل لأنه لا يجلس فيه.
إن يبغ عليك قومك، لا يبغ عليك القمر.
ويقال: أضوأ من القمر؛ وأتم من البدر.
ومن أنصاف الأبيات:
أريها السها وتريني القمر لا تخرج الأقمار من هالاتها
هكذا البدر في الظلام يوافي كذاك كسوف البدر عند تمامه
ومن الأبيات قول الطائي:
إن الهلال إذا رأيت نموه أيقنت أن سيكون بدرا كاملا.
وقال ابن أبي البغل، والبيت الثاني لابن بحر:
المرء مثل هلال حين تبصره يبدو ضعيفاً ضئيلاً ثم يتسق.
"يزداد حتى إذا ما تم أعقبه كر الجديدين نقصاً ثم ينمحق".
وقال أبو الفرج الببغا:
ستخلص من السرار وأيما هلالٌ توارى في السرار فما خلص!
• ما قيل في وصفه وتشبيهه:
من ذلك قول عبد الله بن المعتز في الهلال:
وانظر إليه كزورقٍ من فضةٍ قد أثقلته حموله من عنبر!
وقول عبد الجبار بن حمديس الصقلي:
ورب صُبحٍ رقبناه، وقد طلعت بقية البدر في أولى بشائره!
كأنما أدهم الإظلام حين نجا من أشهب الصبح، ألقى نعل حافره!
وقال آخر:
قد انقضت دولة الصيام وقد بشر سقم الهلال بالعيد!
يتلو الثريا كفاغرٍ شرهٍ يفتح فاه لأكل عنقود!
وقال أبو الهلال العسكري:
في هلالٍ كأنه حية الرم ل أصابت على اليفاع مقيلا.
بات في معصم الظلام سوراً وعلى مفرق الدجى إكليلا.
وقال آخر:
والجو صافٍ والهلال مُشنف بالزهرة الزهراء نحو المغرب.
كصحيفةٍ زرقاء فيها نقطةٌ من فضة من تحت نون مذهب.
وقال آخر:
قلت لما دنت لمغربها الشم ش ولاح الهلال للنظار:
أقرض الشرق صنوه الغرب دينا را فأعطاه الرهن نصف سوار
وقال أبو العلاء المعري:
ولاح هلالٌ مثل نونٍ أجادها بذوب النضار الكاتب ابن هلال.
وقال آخر:
وكأن الهلال نون لجينٍ غرفت في صحيفةٍ زرقاء.
وقال أبو عاصم البصري من شعراء التيمة:
رأيت الهلال، وقد أحدقت نجوم الثريا لكي تسبقه.
فشبهته وهو في إثرها وبينهما الزهرة المشرقة،
بقوسٍ لرامٍ رمى طائراً فأتبع في إثره بندقه.
وقال آخر:
ولاح لنا الهلال كشطرِ طوقٍ على لباب زرقاءِ اللباسِ.
وكأن البدر التمام عروسٌ، وكأن النجوم مستنقبات.
• مما قيل فيه على طريق الذم:
حكى أن أعرابياً رأى رجلاً يرقب الهلال. فقال له: ما ترقب فيه، وفيه عيوب لو كانت في الحمار لرد بها؟ قال: وما هي؟ فقال: إنه يهدم العمر، ويقرب الأجل، ويحل الدين، ويقرض
الكتان، ويشحب اللون، ويفسد اللحم، ويفضح الطارق، ويدل السارق.
ومن عيوبه أن الإنسان إذا نام في ضوئه حدث في بدنه نوع من الاسترخاء والكسل، ويهيج عليه الزكام والصداع؛ وإذا وضعت لحوم الحيوانات مكشوفة في ضوئه، تغبرت طعومها
وروائحها.
هذا ما أمكن إيراده في القمر، فلنذكر خبر عباد القمر.
• ذكر عباد القمر:
قال الشهر ستانى: عباد القمر طائفة الهنود يسمون الحندر بكتية، أي عباد القمر. يزعمون أن القمر ملك من الملائكة يستحق التعظيم والعبادة، وإليه تدبير هذا العالم السفلي، ومنه
نضج الأشياء المتكونة واتصالها إلى كمالها؛ وبزيادته ونقصانه تعرف الأزمان والساعات؛
وهو تلو الشمس وقرينها، ومنها نوره، وبالنظر إليها زيادته ونقصانه؛ ومن سنتهم أنهم اتخذوا صنما على عجلة تجره أربعة، وبيده جوهرة؛ ومن دينهم أن يسجدوا له ويعبدوه، وأن
يصوموا النصف من كل شهر، ولا يفطروا حتى يطلع القمر، ثم يأتون الصنم بالطعام والشراب
واللبن، ثم يرعبون إليه وينظرون إلى القمر، ويسألونه حوائجهم؛ فإذا استهل الشهر علوا السطوح، وأوقدوا الدخن، ودعوا عند رؤيته، ورغبوا إليه، ثم نزلوا عن السطوح إلى الطعام والشراب والفرح والسرور، ولم ينظروا إليه إلا على وجوه الحسنة. وفي نصف الشهر إذا فرغوا من الإفطار، وأخذوا في الرقص واللعب بالمعازف بين يدي الصنم والقمر.
منقول بتصرف
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء