مسرحية لوثة الشاعر
ليوجين أونيل
.......................................................................................
نرى في هذه المسرحية شخصين يعيشان في الخيال والوهم، هما الكونت ميلودي وسيمون هارفورد، أما الكونت ميلودي فيتخيل أنه ما زال يعيش في إنجلترا وأيرلندا كضابط كبير حقق انتصارات كبيرة مع الجيوش التي صاحبها، وعرف بكثرة مبارزاته ومغامراته العاطفية التي نتج عن بعضها تعرضه لبعض المبارزات، والكونت على الرغم من اضطراره للرحيل عن أوروبا لأمريكا وشرائه ضيعة بسيطة بها لا ينسى أيامه الغابرة، ويتخيل نفسه ما زال يعيش فيها؛ ولهذا يسرف في الشراب ليتسنى له معايشة هذا الوهم، ويتملقه من حوله من الرجال، فيعاملونه على أنه ما زال ذلك الكونت؛ ليأنسوا بصحبته في حانته، ويشربوا على حسابه، وتغذي زوجته نورا هذا الخيال لديه، فتسرف في مديحه، وتعظيمه كما كان في شبابه في أوروبا؛ لأنها تحبه، وتخشى عليه ألا يتقبل واقعه لو أفاق من وهمه، ولكن سارة ابنته هي التي تقاوم نزوات خياله، وتحاول أن ترده لواقعه؛ ليساعدها مع والدتها في تدبير شئون الحياة لهم.
ولا يفيق الكونت ميلودي من وهمه إلا حين يذهب لبيت هارفورد والد سيمون الشاعر محب ابنته لكي يعاقبه لإهانة محاميه له حين عرض عليه من قبل هارفورد قبول مبلغ من المال نظير تخلي ابنته عن التعلق بابنه سيمون، ولا يستطيع الكونت الدخول على هارفورد في منزله، ولكنه يقبض عليه من قبل رجال البوليس، ويضرب، وتأتيه ضربة على رأسه ترده لعالمه الصغير، فيأتي لبيته، ويقتل المهرة التي كانت رمز تعلقه بوهمه في عزه الزائل، وهنا يخلع مسوح الكونت عن نفسه، ويتعهد لزوجته وابنته أن يعيش بينهما بذاته البسيطة، وأن يتولى المسئوليات عنهما.
أما سيمون هارفورد – الذي لم يظهر بنفسه في المسرحية وإن كان الحديث يتم عنه كثيرًا فيها – فهو يتخيل نفسه شاعرًا، ويرى أنه لكي يكون شاعرًا حقًًّا فلا بد أن يهجر الحياة الرغدة مع أبيه الثري، وينطلق مع الطبيعة، ويكتب ما يعن له. ويعيش بقرب بحيرة، ويرى سارة ميلودي، ويعجب كل واحد منهما بالآخر، ويتفقان على الزواج على الرغم من معارضة أسرته الثرية لذلك، وتنتهي المسرحية ولا ندري هل سيستطيعان الزواج أم لا.
ومن الواضح سخرية أونيل من ذلك الشاعر في هذه المسرحية، فأمه تتشكك في جودة شعره، وهو ينتظر من يوجهه، ولعل عدم ظهوره بشخصه في المسرحية يؤكد ضعف مكانته، وكونه يعيش في الخيال بعيدًا عن أرض الواقع.
ومن الغريب أننا نرى صورة الشاعر باهتة في بعض مسرحيات أونيل، ففي مسرحية "ما وراء الأفق" نرى روث صاحب الخيال الرومانسي والرؤى الشاعرية ضعيف البنية، وتقهره كل الظروف التي حوله، ويموت وقد فقد كل شيء حوله، ولم يحقق آماله في السفر بالبحر ورؤية العالم البعيد الغريب الذي كان يتطلع لرؤيته.
وفي مسرحية "قبل الإفطار" – وهي مونودراما من فصل واحد – يجري الحديث عن شاعر من أسرة ثرية تزوج من امرأة بسيطة، وفشل في حياته معها، ولم يحقق أحلامه كشاعر، ونعرف كل هذا من حديث زوجته له وهو يحلق ذقنه في الحمام، وتنتهي المسرحية بأن يجرح نفسه ويموت، ولعله تعمد الانتحار لكي يتخلص من حياته الفاشلة مع هذه الزوجة، ولنا أن نقول: إن مسرحية "قبل الإفطار" تعد التكملة لمسرحية "لوثة الشاعر"، كما نرى من أحداثهما.
وأيضًا في مسرحية "الينبوع" نرى شاعرًا عربيًّا أندلسيًّا يقتل في أولها، ثم نرى شاعرًا آخر يتخلى عن قول الشعر في نهايتها.
وهكذا رأينا صورة الشاعر باهتة ضعيفة في بعض مسرحيات يوجين أونيل، إن كنّا نرى لها بعض بريق في مسرحيته الطويلة "التيه".
وملاحظة أخيرة أذكرها عن هذه المسرحية، وهي ما أراه فيها من تشابه مع مسرحية "لويس الرابع" لبيرانديللو، فبطل مسرحية "لويس الرابع" يعيش هو أيضًا في الوهم بأنه لويس الرابع إمبراطور ألمانيا بإرادته ومع وعيه، ويجبر من حوله على أن يعاملوه بهذه الكيفية؛ لأنه وجد سعادة كبيرة في هذا الوهم،
ولا يكشف لمن حوله صحة عقله، وأنه كان يعيش في هذا الوهم باختياره إلا مع نهاية المسرحية.
علي خليفة
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء