pregnancy

لماذا نصوم ؟..بقلم الاستاذ علي حسين الحموي






لماذا نصوم؟
.......................................................................................

في ساعات الصيام السماوية نقترب كثيرا من الله تعالى، ونقترب أيضا من أنفسنا التي اودعناها رهينة الحاجة والفقر والرغبة.
فكلما اشتهينا أكثر زادت حاجتنا، وكلما زادت حاجتنا ازددنا طلبا للمال وللناس. فقبل أن يذكرني الفقيه بفرضي حتى أشعر بالفقير ومرارة جوعه محتاج لأن أتذكر نفسي التائهة مع قطيع لاحم يبحث عن صيد.
في الصيام أريد أن أرى نفسي سماوية أكثر، ربانية عاشقة أكثر لبارئها عز وجل.
فحينما يتخلى الإنسان ولو إلى حين عن غرائزه البيولوجية، يصبح أقرب إلى الملائكة. الشراب، الطعام، الجنس، الغضب والعنف، حب المنفعة وحب القوي ... أليست كلها مزالق الحياة البيولوجية، تقاطعنا بها مع مملكة الكائنات الأخرى. 

الصوم إذن يخرحنا من حاجاتنا، يجعلنا أكثر ابتعادا عن الذين استغلوا حاجاتنا فذلونا من أجلها؛ الصوم بهذا المعنى الجليل ينقلنا من الحيز البيولوجي إلى الحيز الإنساني الراقي الأبي.
وبهذا لا يستقيم أيضا أن نصوم وقلبنا مشبع بالغيظ والكراهية، أو أيدينا ملوثة بالعنف.
لا يقبل منا اذا لم نتطهر ولو جزئيا من كوننا منحنا ثقتنا الكبيرة للمال والجسد؛ هذا الإنزياح الكبير والمهلك عن جادة الطريق. إن فعلنا ... عندها فقط يصبح جوعنا وعطشنا صياما.
يقول المسيح عليه الصلاة والسلام: "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر،  أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر، لا تقدرون أن تخدموا الله والمال"(*)
وما ينطبق على المال ينطبق على الشهوة والعنف والنفاق والتظاهر؛ فكل هذا مرده واحد هو أننا أيقنا بضعفنا واستحالة مقدرتنا على الاستغناء عن المال والاقوياء ومتعنا العابرة ...

الله تعالى يريدنا أقوياء ... يريدنا أقوياء بقلوبنا وعقولنا قبل أن نكون أقوياء بزنودنا وقتالنا.
يريدنا أن ندرك أمام أنفسنا كم نحن قادرين على الصبر، وعلى تحمل المشاق، وعلى السير في الطريق.

واليوم يأتي دعاة (المذاهب) ليقولوا أفعل ولا تفعل؛ ويشرخون بمشارطهم الطائفية وجه الأمة وهم يبتسمون.
البعض يريد قتل الناس لأنهم لا يصومون، وآخرون يريدون قتل الناس لأنهم يصومون. وبين هؤلاء وهؤلاء مساحة بحجم الوطن؛ هي للجميع، لكل الذين بقوا على هذه الأرض. أو خرجوا منها وقلوبهم لاتزال معلقة بترابها كجذور من شرايين.

الصيام لا يكون صياما إلا إذا كان سلاما في القلب والعقل والروح، وسلاما للدار والأرض.
لا يكون صياما إلا إذا كان انعتاقا ممن استُعبُدنا عليه.
الصيام إذن يجمعنا ويصهرنا جميعا في بوتقته؛ وليس ثمة فرقة ناجية إلا المحبين لله والناس؛ فالصيام ههنا حق للجميع وليس واجبا أو فرضا كما نصر أن نظن.
لماذا نصوم؟ 
لنتقرب من الله 
ومن إنسانيتنا
ولكي نستعيد جزءا كبيرا من براءتنا. 

أ.علي حسين الحموي
شكرا لتعليقك