الحياة الاجتماعيّة
بين الثوابت الإنسانية والأطر القوميّة
.......................................................................................
شهد التاريخ البشري ،بكلّ مراحله وحقباته، على ضرورة الاجتماع في حياة الإنسان. كما وأكّدت هذه الحقيقة الدراسات العلميّة الحديثة، غاية الأمر أنّ القائمين على تلك الدراسات اختلفوا حول منشأ النزوع الاجتماعي؛ ففي حين ذهب فريق إلى أنّه مكتسب؛ ذهب آخرون إلى كونه فطريّا طبعيّا.
وبغضّ النظر عن هذا الاختلاف، تبقى الحياة الاجتماعيّة ضرورة إنسانيّة لامفرّ منها. وتبقى ،في الوقت نفسه، بحاجة إلى أسس ومبادئ وأنظمة لابدّ وأن تتقوّم بها، لتنهض بمهمّتها التكاملية.
والذي يثار بقوّة في هذا الصدد؛ ذلك الدور الذي يلعبه الانتماء القوميّ والعرقيّ في تجسير العلاقات الاجتماعيّة وتطويرها بما يحقّق للإنسان رقيّه وتحضّره، فضلا عن الانتماءات الأخرى، إلا أنّ الانتماء القوميّ أخذ الحظوة الأكبر، باعتباره جسّد "مرجعيّة" في بناء الدولة والمجتمع في بنية الفكر السياسيّ الحديث...
ودون مزيد من التنظير والتفصيل، يمكن أن إخضاع (القوميّة) لمقاربة يكتنفها الكثير من التساؤلات التي تحتاج بدورها إلى إجابات شافية؛ ومن أهمّها:
أولا: ما يتعلّق بطبيعة القوميّة وماهيّتها، فالذي يتبادر إلى الأذهان، وتؤكّده الحقيقة الإنسانيّة المشتركة بين جميع الألوان والأعراق؛ أنّ القوميّة ليست إلا إطارا اجتماعياّ تتبنّاه فئة من الناس، انطلاقا من خصوصيّات عرقيّة وعادات وأعراف ومرتكزات وتاريخ ولغة مشتركين، توحّدت ونشأت عليها... ورغم الطابع الخاص الذي تمليه هذه الخصائص على شعب من الشعوب، وتأثيرها في مسار حياتها؛ لايمكن تصوّرها مصدرا وفاعلا فكريّا فلسفيّا مستقلّا، لانّها ،بطبيعتها، نتيجة لا سبب. وبتعبير آخر: يتشكّل الطابع القوميّ ويتّخذ بنيته الخاصّة، بناء على خلفيّة فلسفيّة وفكريّة مسبقة تتفاعل مع الحيثيّات المادّيّة والجغرافيّة المحيطة، وليس العكس. الأمر الذي ينبغي معه الرجوع الى تلك الخلفيّة واستجلائها، إذا ما قصدنا المحاكمة والتقويم بغية التغيير.
ثانيا: وهو ما يتعلّق بمآلات الفكر البشريّ بصدد القوميّة، ولاسيّما على صعيد العقل الذي تبنّاها بمفهومها السياسي الحديث، وأعطاها مساحة ودورا نظريّا تأسيسيّا في نشوء الدول والمجتمعات. وأقصد بذلك العقل الغربي.
فما تشير إليه المتابعات والدراسات؛ النظريّة والميدانيّة، هو تراجع كبير في التعويل على القوميّة فيما يخصّ بناء الدولة التي ينشدها الإنسان.
طبعا، لابدّ وأن ننبّه إلى أنّ كلامنا هذا لا ينفي ذلك التفاعل العاطفيّ والعصبيّ الذي تلجأ إليه الدول في صراعها الاقتصاديّ والاستراتيجيّ، كما لاينفي تأثير هذا التفاعل على ساحة العلاقات الدوليّة الفعليّة، ولكنّ حديثنا يتناول البنية النظريّة التي باتت الكثير من العقول والتجارب تلاحظ عدم قدرتها على بناء دولة الإنسان وتكوين المجتمع التعدّديّ؛ ولهذا انصرفت الجهود التخصّصيّة للبحث عن مرجعيّة تفي بالغرض المنشود، بغضّ النظر عن صحّتها وسقمها...
في ظلّ هذه المقاربة، لابدّ وأن توجّه البوصلة إلى منطقتنا العربيّة والإسلاميّة، للحثّ على الخروج ،تصوّريّا وإدراكيّا، من داخل الإطار القوميّ والفئويّ، لفتح أبواب اكتساب فضاءات أرحب، لعلّنا نستشرف آفاق جديدة تمسّ هموم الإنسان المصيريّة في هذه المنطقة المضطربة.
جمال صالح جزان
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء