إطلاق النار في الأفراح والأتراح وكل المناسبات*...!!
.......................................................................................
كأنه لا يكفي معاناة السوريين خلال سبع سنوات من التوتر والقلق؛ جراء الحوادث منذ بدء المأساة السورية، حتى تداهمهم ظاهرة إطلاق العيارات النارية في الهواء؛ من مختلف أنواع الأسلحة في الأفراح والأتراح وغيرها من المناسبات؛ من دون النظر الى أمن الناس، وما ينتج من هذا العمل من قلق وخوف وذعر في نفوس المواطنين.!!!
فكيف بدأت هذه الظاهرة من الوجهة الإجتماعية؟
يُقال في (رواية أولى)؛ أن عادة إطلاق النار في الهواء؛ والمنتشرة في مختلف البلدان والمجتمعات النامية والمتأخرة ثقافياً وحضارياً، نشأت وبدأت تُعرف خلال الحروب والمعارك، التي كانت تُخاض في هذه البلدان تحت الشعار الديني أو العرقي أو العنصري أو السياسي وغيره؛ وذلك بعد كل انتصار أو احتلال لأراضٍ جديدة، حيث يقوم المقاتلون بإفراغ معظم ما تبقّى لهم من ذخيرة في الهواء؛ تعبيراً عن نشوتهم وفرحهم بالانتصار.
وفي (رواية اخرى)؛ يُقال إن عادة إطلاق النار في الهواء، بدأت في مناسبات فرح الأعراس المتعلق بنمط الحياة البدوية؛ مع اكتشاف البارود؛ وانتشار السلاح الناري في بلاد الشام والجزيرة العربية ... حيث كانت العروس تنتقل من بيت أهلها إلى بيت العريس، وكان الشباب من أهلها وأهل العريس؛ يرافقون زفتها بالسلاح وإطلاق الرصاص بشكل مكرر ومبرمج لإخافة اللصوص وقطاع الطرق . اعتبرت هذه العادة في بدايتها رمزاً للفداء والتضحية للعرض والشرف؛ وتصدياً لقطاع الطرق واللصوص، بحيث أصبح من المعيب أن لا يسمع صوت الرصاص في سماء الأعراس والمناسبات.
قديماً؛ كان حمل السلاح أمراً هادفاً، كإشارة واضحة للتواصل وإعلان نوع الحدث؛ في ظل عدم وجود وسيلة أسرع، حيث كان يُعتمد إطلاق النيران للإعلان عن فرح أو ترح؛ ضمن وتيرة متعارف عليها لدى الجميع. ولكل مناسبة نمط من العيارات النارية في الهواء، يتمكن الأهالي من خلاله التعرف الى الهدف منه وتمييز نوع المناسبة ومعرفة أسباب إطلاق النيران؛ وفي أماكن محصورة لهذا العمل؛ وضمن اوقات محدودة. فمثلا في منطقة سلمية وريفها؛ كانت ثلاث طلقات من مسدس أو بارودة صيد إشعاراً بحالة وفاة شخص ما...وفي حالات إعلان البدء بحفلة عرس؛كان عدد الطلقات أكثر من ذلك.
ومع التطور السريع؛ وانتقال العادة إلى المجتمع الذي يجمع بين البداوة والريف ومن ثم المدينة؛ أصبح للرصاص موسيقا قاتلة للفرح. وأصبح من المعروف؛ أن معظم الذين يطلقون النار هم من الشباب عديمي الثقة بأنفسهم وبحضورهم الاجتماعي؛ وتقمص رمزية الرجولة بإطلاق الرصاص..
إنها بحق سلوك رجولة مزيفة مع مباركة وغض الطرف من الجهات الحكومية صاحبة العلاقة بضبطها.. كون إطلاق النار أصبح منافياً للقانون ويتسبب بجريمة .
أما اليوم؛ فاختلفت كل الموازين، اذ ألغيت هذه العادات وانحرفت، وبات استعمالها عشوائيا، مما يضعنا أمام عادة متفشية غير متوارثة، وبات إطلاق العيارات النارية للتباهي وترويع الناس، وتحصل في كل الأوقات؛ وفي الطرق؛ وخلال مواكب متنقلة؛ وفي المناسبات حتى الولادات أو نتائج الامتحانات؛ أو إطلاق سراح أحد الموقوفين.
كما أنّ الرصاص أصبح وسيلة فرح خلال الأعراس ونيل الشهادات، حتى ولو كان المحتفى به قد تخرج من الحضانة، وتعبيرًا عن حزن خلال تشييع شهداء وضحايا. كما أصبح الرصاص وسيلة استقبال لأسرى أو لحجيج أتمّوا مراسم الحج . ما لبث هذا الأمر أن توسّع وأصبح إطلاق النار في الهواء الخبز اليومي لكل مناسبة؛ من الإحتفال بفرح أو مأتم أو حتى بعيد ميلاد ؛ إلى النجاح في إحدى الشهادات حتى لو كان الناجح قد مارس الغش الامتحاني.
فإلى متى الإنتظار، ولم لا يُعمل على وضع حد لهذه الظاهرة " الجريمة " الجاهلية والمقيتة، وهل المسؤولية تقع على عاتق الدولة فقط؟.. ضحايا وجرحى سقطوا نتيجة هذا الرصاص القاتل، فمن يتحمل المسؤولية؟ وما ذنب من يموت بسبب ابتهاج البعض، أو من يجرح بسبب حزن البعض الاخر؟ ما ذنب من يخسر ولده ؟
إنها ظاهرة تدلّ وتشير الى تخلف حضاريّ وثقافيّ وأخلاقي، عند من يمارسها. إنها ظاهرة تفضح أيضاً العيوب ونقط الضعف في شخصية من يمارسها، ومن تقع عليه مسؤولية ضبطها ومنعها.
...................................................................................
مراجع ومصادر متنوعة...
نورالدين منى
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء