pregnancy

الذاتي والاجتماعي وضرورة تجسير العلاقة..بقلم الأستاذ جمال صالح جزان






الذاتي والاجتماعي وضرورة تجسير العلاقة
.......................................................................................
(وجهة نظر أثارها مقال الأستاذ علي حموي حول التشبيك بين الذاتي والمعاش) 

     إن أيةّ عملية نتفاعل فيها نحن البشر، مهما كان مجالها وميدانها؛ لابدّ لها من قاسم ،أو قواسم مشتركة. اذ لايمكن لنا المضيّ بعمل يجمعنا، وينهض بما نريد، دون وجود ما نشترك عليه.
    من الطبيعي أن تبدأ دائرة المشتركات مما يلامس الوجدان، وينطلق من حقيقة النوع الذي ننتمي اليه. أي ما جبلنا عليه، ويمثّل المقوّم الذي نستطيع ،من خلاله، الانتساب الى الإنسانية... 

      ولعل دائرة المشتركات هذه تتسع بعد ذلك، تبعا لعوامل  عديدة؛ معرفية، وعقدية، واجتماعية. ومادية... ولكنها في اتساعها هذا، قد تتناغم وما فطرنا عليه، وقد تنحرف بأصحابها عن تلك الجبلّة، وقد تمزج بين هذا وذاك.    
  
      ربما استطعنا من خلال التفاعل العاطفي، والعودة إلى ذواتنا في مواقف وجدانية، أن نعيش صدق استعدادات الفطرة وصفائها... إلا أنّ الاعتماد على مثل هذا  التفاعل العاطفي اللحظي في تغيير واقعنا وإثرائه إنسانيّا، لن يجدي نفعا مالم يمتدّ هذا التفاعلّ إلى الواقع الاجتماعي ويؤطّر تنظيميّا؛ لأنّه طالما أنّ البنية الاجتماعية القائمة وأنظمتها، تتعارض وما ينطلق منه ذلك الشعور، سيبقى في حدود الخواطر الوجدانية. 

       إنّ الإنسان -شئنا أم أبينا- يمضي في بناء علاقاته كافة على إيقاع الحاضنة التي يعيش فيها.  ولهذا، لن يكون للعاطفة الداخلية، التي تصحو في لحظات الوجد والصفاء، أثر تغييري، في ظل هيمنة التركيبة الاجتماعية الملوّثة، مالم يعمل أصحاب هذه العاطفة على ترجمتها مدرسة واتجاها في العلاقات الإنسانية.

      بل إنّ استحكام التركيبة الآنفة الذكر، من شأنه الابتعاد بالمحتوى الأصيل للإنسان عن دائرة الوعي والشعور تماما، ليعيش الإنسان غربة عن كينونته وذاته!!  ولعلّ ما يؤكد على هذه الغربة؛ شعورنا بالغرابة والاستهجان، تجاه الكثير من تصرفاتنا والندم على فعلها؛ حيث نكاد لانصدّق ما اقترفته أيدينا، حين التفاتنا إلى ما فعلناه، وتذوّقنا يقين العودة إلى الفضيلة في أعماقنا.

      إنها البيئة إذن... ذلك الميدان الذي يمتدّ متسعا لأشرف ملاحمنا الوجودية! ههنا، تتجلى قيمة الإنسان الكبرى وتكامله الحقيقي، حيث المعاناة وآلام مخاض التغيير، بدء بنقل الكامن في البنية والتكوين، من دائرة الانفعال العاطفي إلى دائرة الشعور والوعي، تمهيدا للعمل على تجسيده مشروعا ينظّم العلاقات الإنسانية على الصّعد كافّة.

      طبعا، لن يكون إدراك منظومة التغيير المتماهية مع تلك البنية، والإحاطة بأسسها النظرية، مهمة بسيطة سهلة! بل ينبغي أن نوطّن أنفسنا على أنها المهمة الأصعب، والامتحان الأكبر في ميادين الحياة. لأن الموانع والمعوّقات كثيرة كأداء. الأطرالسياسية الناظمة... العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة... البنى الفكرية والأيديولوجية الحاكمة، بغضّ النظر عن مصدرها؛ داخليا كان أم خارجيا؛ أجبرنا عليها أم كانت بمحض إرادتنا...   وينبغي ألانستغرب إذا ما قمنا بمراجعة واقعنا، أن نكتشف ،في نهاية المطاف، خضوعنا لنظم اجتماعية واقتصادية وسياسية، لسنا منها وليست منا!!

       عندما نشرع بترجمة مكنونات الفطرة على صعيد الواقع المعاش، ونعمل على بناء النظم الاجتماعية بوحي منها... تبدأ مسيرتنا الحقيقية إلى المجتمع الذي يليق بالإنسان. ولعلّها المسيرة التي تمتلك شرعية احتضان البشر جميعا، أينما كانوا... وتستحقّ أن تشدّ الرحال لأجلها.

جمال صالح جزان
شكرا لتعليقك