pregnancy

من الذاكرة. تجليات حلم مراهق.. بقلم الأستاذ حسان الشيحاوي





من الذاكرة.        
تجليات حلم مراهق..

.......................................................................................
لقد استفاقت فيّٙ الأسئلة الكبرى. فلم تعد الأجوبة المواربة والساذجة تقنعني وتروي فضولي اللاهث وراء يقين يريح نفسي . ويركن له عقلي في كل شؤون حياتي وقتها كنت مراهقاً كٙمهرٍ لم يروض بعد .فكنت أتساءل :
أين تسكن الروح.؟ 
والى اين تذهب بعد الموت..؟ 
وكيف تفارق الجسد..؟
وهل هناك حياة أخرى نلتقي بها بأمواتنا الأعزاء .كان بيتنا يُطل على المقبره فألفت طقوس الدفن والجنازات منذ طفولتي واعتادت أذني على سماع النحيب والصراخ والعويل..
وكان رأسي محشواً بقصص الجن والسحرة والعفاريت. وهذا ما كان متناغماً مع اسلوب التربية والترويع انذاك . ليصبح الخوف هو الطاغي في كل طقوس الدين وفي كل الأعراف والتقاليد دون التلطّف بعقولنا. وبما تعتمله تلك المخاوف في مخيلتنا. فصرنا نتخيل حبل الغسيل في الظلام كأشباح متأهبه لاجتياحنا.
كما لم تشفع لنا البراءه وحسن النوايا في سلوكنا العفوي من الإرتدادات الاخلاقيه والاجتماعيه بمقاسي العيب والحرام. فكان عليًّ أن ألجم أحاسيسي ومشاعري طوعاً أو قسراً تماشياً مع الدين والعرف العام كي أبدو أمامه رزيناً وعاقلاً  كروبوت.
وأن أتجاهل استلطاف جارتي الجميلة سوسن. وكأنني مخصيٌ منزوع الأحاسيس تجاه عذوبة وجمال الجنس الآخر.
كمن ألقوه في اليم مكتوفاً وقالوا له إياك إياك أن تبتل بالماء ...
فكانت الأحلام السعيدة حاضرة في اللاشعور قويةٓ تنسل كأفعى في الهشيم.وصمام أمانٍ بيولوجي لتنفيس ضغوط الكبت. من دون أن تترك خلفها إحساساً بعقدة الذنب أو بعقابٍ من أيٍ كان .في حين أن سيرورة الحياة اليوميه كانت تحت رقابة العسس الصارمة بكل أشكالهم وتتطلب منًي الخضوع والطاعة لإرضاء الله ورسوله وأولي الأمر منا ومداراة ألسنة المجتمع الطويلة والظالمة.
لقد كانت تٙصِلُني ابتسامة جارتي الخجولة كنسمة عليلة تلطف جو صحراء روحي القاحله..
و مرة وضعت لي( بطاقة معايده) خلسة في كتابي وصوبت عينيها بعيني دون أن ترف لبرهة. وبلغة العيون اجتاحتني تلك النظرة الجامدة. فأصابني الخدر لما رأيت وجهها محاطاً بهالة سحرية لم أرها من قبل .فلم أدر كيف نما فيّٙ هذا الشعور الجديد الذيذ على عٙجٙل. فلربما التلقائية والفطرة التي أنعم الله علينا بها وكأنها هي التي تودي بنا لحد الإحتراف بالعشق دون سابق خبره. فصارت تسرقني أحلام اليقظة وصرت أنغمس في مخيلتي وأنقطع بصلتي عن حاضري دون أن أنتبه وأنا استرجع وأُعيد على البطيء البطيء. كيف حدقت بي سوسن ووضعت سبابتها اليمنى قائمةتحت أنفها تُلامس شفتيهاوالذقن وٙلٙفت إصبعها الوسطى بالإبهام كي انتبه بحذر لما تخبئة لي في الكتاب بعدها صرت أعانق طيفها لأصحو وألوذ بالمرآة لأرى صورتي من كل الجهات وبكل الوضعيات وأرى طيف سوسن بداخلي فأدندن بأذنيها لنضحك معاً قبل كل خروج من الببت.
وفي اللقاء الثاني لم تطاوعني يدي أن اترك يدها فسٙحبتها بقوة من يدي. فوقفت قبالتها مكسوفاً دون حراك علماً أن ملامح وجهها توحي بالمطاوعة تحت غشاء من التظاهر بالتمنع...وأنا تظاهرت ايضاً بالزعل والإنصراف.. 
وفي اللقاء الذي تلاه ظنت أنني منزعج منها فأعطتني يدها فم اتردد.فمسكتها بقوة وبقيت بيدي من دون أن تسحبها فتهدج صوتها واحمرت وجنتاها وأنا تلعثم لساني فتقدمت خطوة متجاوزاً مسافة الأمان ووضعت يدي على شعرها..فقالت بصوت مرتعش هامس ليس الآن ليس الآن..
وفي ليل ذات اليوم رأيت حلماً غريباً 
وليست كل الأحلام تنطلق بالضرورة من المعدة كما يقال .أو هي اضغاث أحلام .فلربما هي صمام أمان بيولوجي تنفيسي على شكل مُخٙمِدات أو تحذيري على شكل أجراس إنذار لأمور تشغلنا ونرغب أو نخشى أن تقع..
وفي الحلم  كانت رجلاي تسيران بي الى سوسن وكنت ساهداً بعالمي الخاص أحس بأن يدها  بيدي وما يزال نبضها يتغلغل بكل كياني..
فتفاجئت لما رأيت الناس هٙلعين لِما كان مكتوباً على قبة السماء بخطٍ عريضٍ من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال وبألوان قوس قزح.( هذا اليوم الذي كنتم به توعدون) 
كاد قلبي أن يخرج من صدري من شدة الخفقان وأدركت أنها القيامة يوم القارعة .أيْ نار حامية.
يا إلهي ..أنا لا أحتمل الماء الفاتر أثناء الإستحمام.
فيا لهول ما أرااااه .فعدوت كمن أصابه مسٌ لأُعلِم أهلي. وكان عليّٙ أن أعبر المقبرة كي أصل الى بيتنا فرأيت الناس أمواتاً واحياءً رجالاً ونساءً صغارا وكباراً في المقبرة واقفين خاشعين على مد العين والنظر ينظرون الى الشرق دون أن يكلمني أويرد عليّٙ أحد بما فيهم أبي وأمي تماما كما قال لنا استاذ التربية الدينيةفاستذكرت  أفعالي بشعور الخائف الداخل من المحاسبه وبأنني عاشق بالسر. وكاد شيطاني أن يورطني بإثم  وبينما أنا في حيرة من أمري صحوت من الرعب الذي إعتراني ومخدتي كانت مبللة بدموعي.
وفي يدي دليل إدانتي - بطاقة المعايده التي وضعتها لي سوسن خلسة في كتابي...!!!
حسان الشيحاوي
شكرا لتعليقك