pregnancy

حسد، حقد، غيرة .....بقلم الأستاذ وائل الشيمي





حسد، حقد، غيرة
................................................................................. .....

تلك الصفات القبيحة من أكثر السلوكيات التي تتفشى في المجتمع في عصرنا الحاضر، فإذا نظرنا إلى أفراد المجتمع اليوم وجدنا أن كثير منا يحسد غيره عن قصد أو عن غير قصد، ونجد أن انتشار مثل هذه السلوكيات تنبع من إفتقاد عامل القناعة والرضا، فالأشخاص في سعي دؤوب لإمتلاك الأشياء حتى وإن كانوا لا يحتاجون إليها، إنها شراهة الإمتلاك، أننا عبارة عن فم كبير يبتلع كل شىء، تلك هي المادية التي طغت على كل جوانب الحياة، الكل يسعى إلى إمتلاك ما في يد غيره، وغيره يسعى إلى إمتلاك ما في يده، هكذا تدور الدائرة، ومن هنا تبدو لنا صفات مثل الغيرة والحسد كوحوش تنتظر لتنقض على ما تبقى من انسانيتنا.

في هذا المقال حاولت جاهدا أن أبحث عن الأسباب التي تؤدي إلى الغيرة والحسد، وبعد إمعان شديد عدت إلى البدايات فوجدت هناك تلك الأسباب التي إنزوت في ركن بعيد من الطفولة البائسة، وأدركت أن سوء التربية للأطفال هي ما تغرس بداخلهم تلك السلوكيات المشينة، فغالب الآباء والآمهات يربون أطفالهم على رؤية ظواهر الأمور فحسب، ولم يعلموهم التعمق في كل ما هو جوهري وروحي.

لذا فعلينا أن نولي أهمية كبرى للتربية كي نقتل بداخل اطفالنا كل السلوكيات والصفات السيئة المخبأة في طيات الطفولة الأولى، لأن معظم السلوكيات الخاطئة تنبع من هذا الجذر، وتعود أسبابها إلى تربيتنا لأطفالنا.

في البداية أود أن أوضح الصورة العامة لتلك التربية التي تبدو في ظاهرها عاطفة جياشة من الأهل إلى أطفالهم، فينتج عنها أمور لم نجهد أنفسنا في معرفة أسبابها، انظروا مثلا لذلك الطفل الذي يؤمن له آبائه كل شىء ويلبون له كل متطلباته بدافع من المحبة المفرطة والذي لا يعلموا عاقبة هذه الأفعال، ويعتقدون في داخلهم أنهم بتلك الطريقة يؤدون واجبهم على الوجه الأكمل، هذا التصرف الناتج عن حسن نية قد يغذي الأنانية في الطفل، الذي يشعر أنه مركزالكون كله، والكل مطالب بتلبية رغباته، فتتشكل معالم شخصيته فيما بعد على هذا الأساس، فكل ما يطلبه يجده حتى لو نظر إلى ما في أيادي الآخرين فينتج عن كل ذلك الحسد والغيرة وعدم القناعة بما يمتلكه.

مشهد أخر من تلك المشاهد وهي تفضيل أحد الأطفال على الآخر، والاهتمام الشديد به دون الآخرين وهذا ما يخلق هوة سحيقة بين الأخوة ويفقدهم حس المشاركة فيما بينهم، فيخلق هذا التصرف نوعا من الغيرة بين الأخوة، وقد حدث ذلك مع أخوة يوسف كما قصت علينا الكتب السماوية، فتفضيل الأب ابنه على باقي الأخوة غرست الغيرة في قلوبهم حتى أنهم فكروا في قتله.

علينا أن نعلم جميعا أن الطفل يتمتع بذكاء خارق ويعلم جيدا كيف يستفز عاطفة الأهل، ومن خلال وسائله الكثيرة نركض وراء تلبية طلباته التي لا تنتهي، وإن رفض أحدنا تلبية الطلبات فهو قادر من خلال وسائل الضغط كالبكاء أو الصراخ أو تكسير الأشياء من حوله أن يجعلهم يحققون له كل ما يريده، ومن هذا المنطلق يتعلم الطفل أن القيمة المادية هي كل شىء وليس للقيمة الشخصية أية أهمية، ومن هنا يسعى إلى امتلاك كل ما يمتلكه غيره، وبأي ثمن بهدف تحقيق تلك القيمة المادية التي تربى عليها، ومن هنا أيضا يعاني من شعور مستمر بالنقص، ويتناسى جانبه الروحي فيصبح محدودا بالمادة والمادة فقط .

علينا أن نربي اطفالنا على القناعة والرضا بما يمتلكه، وألا ننساق إلى المظاهر المبهرجة والخداعة والتي تؤول بنا إلى سلوكيات خاطئة، ان المجتعات التي تنساق وراء المظاهر فقط هي مجتمعات فارغة من الداخل، محطمة، مجتمعات لديها عقد نفسية، وشعور بالنقص، هي مجتمعات تفتقد لفضيلة ذات أهمية كبرى لن نشعر بالراحة النفسية إلا بها انها فضيلة القناعة، وكما قالوا في الأمثال أن " القناعة كنز لا يفنى "، هي كذلك بكل تأكيد كنز لا يفنى لمن يعرف الوصول إليه والحفاظ عليه، وليست هي القناعة التي تعني الاستسلام للواقع، بل هي القناعة التي تهدف إلى الطموح الهادف من أجل التغيير للأفضل، هي قناعة الرضا بالواقع حتى نغيره بسعينا ومجهودنا.

القناعة تعني أن تجيد استخدام ما تملكه بفرج وبهجة وبلا تذمر أو تأفف، القناعة تعني أن قيمتك تكمن في ذاتك وليس في ما تمتلكه، تلك هي الأشياء الباقية والتي مكانها الروح، وليست تلك المتطلبات المادية الفانية.

علينا جميعا أن نربي أبنائنا على أن الحياة بكل ما فيها من ملذات مادية تؤول إلى الفناء، وأن إدراك الإنسان لذاته ومميزاته وما حباه الله من نعم هي الأهم، ومن هنا نستطيع التخلص من الشعور بذلك النقص الذي يولد داخلنا الكثير من الحسد والحقد والغيرة.....

وائل_الشيمي

1 comments:

انقر هنا لـ comments
26 يونيو 2019 في 1:18 ص ×

"القناعة تعني أن تجيد استخدام ما تملكه بفرج وبهجة وبلا تذمر أو تأفف، القناعة تعني أن قيمتك تكمن في ذاتك وليس في ما تمتلكه، تلك هي الأشياء الباقية والتي مكانها الروح، وليست تلك المتطلبات المادية الفانية."

الرد
avatar
admin
شكرا لتعليقك