pregnancy

من الذاكرة ..حيرة بقلم الأستاذ حسان الشيحاوي




من الذاكرة
حيره
.......................................................................................

لم أدر كيف حملتني رياح الظروف ورمتني في زحله قبيل الحرب الأهلية في لبنان بشهر واحد حينها كانت الأفكار في رأسي تتقاطع مثل البروق إثر صدمة نفسيه فكان عليّٙ بعدها أن أختار بين البقاء في البلدةصيفا ًعلى مضض وأستمرء أموراً لا أقوى على هضمها.
أو أن أدفن مشاعري في أقرب مكب للقمامه.وأحقق شهوتي في النسيان بالسفر بعيداً وأُنتج من كدِ يميني وعرق جبيني
فكان للصدف فعلها المدهش حتى وجدتني في إحدى مداجن سهل البقاع مع أسرة أبي جوزيف القادمة من بلدتي.
لقد جافاني النوم لأيام بسبب الأرق وبداخلي كانت نار تشتعل تدفعني 
أن أكسر أن أضرب أن اقفز من فوق السطح وكأن لزراعة الخضروات والإعتناء بالاشجار دوراً في إخماد نيراني
كان أبو جوزيف طويل القامة عريض المنكبين مفتول العضلات عيناه صغيرتان حالكتان بالسواد تشيان. بالطيبة والذكاء. كما كان أصلعاً يلف على رأسه نقاب ويعمل دون كلل أو ملل. فكان يرشدني بود وطيب لِما يجب فعله وبزمن قصير أتقنت عملي وبدأت أشعر بالسعادة لأنني بحضرة عمٍ أوخال أو أخ اكبر حنون ومحب. كما كانت أم جوزيف تعاملني كما لوكنت فردا من أسرتها الجميله.
وفي أحد الصباحات توقفت سيارة الخواجا قُربنا ونزل منها شاب وسيم منتصب القامه شعره أسود داكن وخشن وعيناه سوداوان تلمعان كعيني صقر وتوحيان بالثقة بالنفس والعنفوان فعرفنا أنه عامل بدوي من سوريا من قرية أبو ضهور شرقي سراقب وأسمه حسين الحسين وسيسكن في الغرفة المجاورة لغرفتي في الطابق الأعلى.
فتعارفنا بسرعة لتقارب عمرينا ومن طبيعة العمل المشترك أن يحرق المراحل ويكشف المعادن وخاصةبأوقات الخطر.وقتها كان يشاع بأن العمال السوريين يُقتلون على الهويه. فاطمئنيت لوجود حسين معي فصرنا ننام في غرفة واحدة ونطبخ ونأكل معاً. وبادلني نفس الشعور قولا وعملاً كأخ لم تلده أمي.
كما عوضتني عائلة أبي جوزيف عن أهلي في غربتي. 
كان ابو جوزيف دقيقاً وحرفياً كعسكري في أمور العمل لا يتهاون مع أي تلكؤ أو تقصير 
ومشكلة حسين الوحيدة أنه  ويتأخر في الإستيقاظ رغم أنه كان يعمل كبلدوزر اثناء النهار.
فدبت الحساسيه بينهما واحمرت العيون فلم يستطع حسين أن يتأقلم على المبكر ولم يمررها ابو جوزيف دون تأنيب. فبدأ النكد يشوب العلاقة لأن كلاهما كان يبالغ بترجمة أقوال وسلوك الآخر ويفهمها على أنها تحدي مقصود واستفزاز مباشر. ولم تفلح جهودي في ترطيب الأجواء وإذابةالجليد بينهما
وبلحظة عمياء قام أبو جوزيف بصفع حسين على خده بكل قواه فرجع حسين بخفة قط والتقط حجرا وقذفها بعنف على ظهر أبي جوزيف فسببت له الماً واضحاً فظل متماسكاً واشتبك معه وظهرا كمصارعين من الوزن الثقيل فدخلت بينهما رغم تلقى أغلب الضربات وكلاهما كان يحاول إبعادي فتمنيت حينها لو كنت أمتلك قوة ثور لفك الإشتباك بينهما.
واستمر العراك حتى استنفذنا كل قوانا. 
فاتصل أبو جوزيف بالخواجا 
فحضر في الحال وسألني عن التفاصيل.فتمنيت أن تمتصني الأرض وأتحول إلى تراب ولا أحشر بهذا الموقف.فكلاهما عزيز علي و قريب من الروح. وكان بديهيا لنا بأن الخواجا لا يستطيع أن يستغني عن وكيله أبي جوزبف الذي تربطه به علاقة ود واحترام قديمة 
فطرد حسين من العمل بعد أعطاه أجره. وضطررنا أن نملء فراغ عمله مجاناً ريثما يأتي البديل.
لقد جافاني أبو جوزيف لأيام وعاتبني بزعل كوني لم أنصره ضد حسين. وهو يعرف أن حسن انقذني مرة من الموت وإننا متخاويان.
كما أن حسين لم يكن مسروراً من موقفي لظنه بأنني معه على السراء والضراء كأخ مفترض واعتبرني تعاطفت مع ابن بلدي.وكان يجب ان انصره وهو يعرف عرف اليقين كم أنا أجل وأحترم أبو جوزيف وأُثٙمِن الطيب الذي بدر منه ومن زوجته لي.
ولم تشفع لي عند الاثنين رؤيتهما للكدمات والبقع الزرقاء على جسدي كا الوشوم إثر ضرباتهما
فشعرت أن بداخلي شيئا بدأ يتدمر وينسحق لأنني لم أستطع الوفاق بينهما .
ولأن الخواجا لم يبزل جهدة لرأب الصدع بينهما كما لو كانا أخويه وأظنه لو حاول بحكم موقعه لنجح.
فأصبحت ملاماً من  الطرفين وحائراً من أؤيد ومن أعارض وبرأيي بأننا كلنا كنا خاسرين ومأزومين. 
يا إلهي ما أقسى غياب المرجعيات العاقله والنزيهه.
ومن غرائب الصدف أن أتاني حسين زائرا بعد أكثر من ثلاثين عاما وأثناء الجلسه طلب مني زيارة أبي جوزيف لقناعته بأن الحياة لاتستحق أن نترك خلفنا عداوات مجانيه ما دمنا إخوه ومصيرنا مشترك فسبقتني دموعي بالجواب.عطاك عمرو.. فبكى حسين وتأسف وترحم وأخبرته بأنه كان يذكرك لي دوماً وقال لي بأنه رآك مرة في مطعم بحماه وتردد بالسلام عليك وندم بأنه لم يفعل.
والأن بذكرى الإثنين وبعد مرورأربعة وأربعين عاما. أشعر بالتفاؤل  بأن السوريين لايحقدون.!!

حسان الشيحاوي
شكرا لتعليقك