الإعجاز العلمي
(بين إشارات الهداية ومغالاة عقدة النقص) (1)
-----------------------------------------------------------
كثرت ،في الآونة الأخيرة، محاولات تتناول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنّة، إلى الحدّ الذي أثار معه الكثير من التساؤل ،وربّما الاستهجان، ولاسيّما أنّ العديد من هذه المحاولات وقع في توفيقيّة ساذجة، لم يلق أهل الاختصاص عناء في اكتشافها، سيكون لها آثارها السلبية البالغة على مكانة القرآن الكربم في الأذهان، فيما لو استمرّت باستغلال ضحالة الوعي، وندرة القراءة في مجتمعاتنا.
وإذا ما راجعنا المسار التاريخي بهذا الخصوص، نجد أنّ ما أشرنا إلى تكاثره آنفا على وسائل الاتّصال والتواصل، ليس إلا نتيجة تنامي البحث في قضيّة الإعجاز العلمي إبّان القرن الماضي، تزامنا مع الاكتشافات العلميّة الهائلة، وما أفرزته من نظريّات. علما بأنّ اختلافا حادّا طفا على السطح حول المسألة؛ ففي الوقت الذي أصرّ الكثير من العلماء المتخصّصين على الإعجاز العلمي؛ أنكره فريق آخر جملة وتفصيلا.
وبالرغم من الخلفيّات الأيديولوجيّة التي اكتنفت المواقف، سواء أكانت مؤيّدة أم معارضة، لم تخلو الساحة من المقاربات التي توخّت الموضوعيّة والمنهجيّة العلميّة، وكانت جادّة في تسليط الضوء على هذا الموضوع. وفيما يأتي نموذجان معاصران؛ أحدهما ينفي؛ والآخر يثبت:
* الأول، ويمثّله الدكتور الجزائري (نضال قسّوم) اختصاصيّ الفيزياء الفلكيّة، الذي هاجم قضيّة الإعجاز العلمي جملة وتفصيلا (انظر، نضال قسوم، العلم والإسلام والأسئلة المزعجة)، معتبرا القرآن الكريم كتابا دينيّا محضا، لاينبغي تدخّله البتّة في القضايا العلميّة. وكلّ ماذكر من آيات تخصّ الجانب الكوني، لم تكن إلا انعكاسا للمعارف العلميّة التي سادت في عصر النصّ. الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة اتهمته بتجاهل الإشارات العلميّة القرآنيّة، التي تفوق بمعطياتها مستوى العقل البشري في ذلك الزمان، سواء في جزيرة العرب أو في غيرها، فضلا عن كونها استوقفت الكثير من المتخصّصين، من أمثال (موريس بوكاي)، كما سيأتي. ولعلّ ما يثير التأمّل في رأي (قسّوم)، أنّه من التطوريين الأقحاح، ولهذا دلالته على مستوى مرجعيّة تبنّيه موقفه هذا، باعتبارها نظرية تتعارض وظاهر النصّ القرآني في قضيّة خلق آدم (ع)، من جهة، وكون نظريّة تطوّر الأنواع ،كما هو معروف، لازالت تعاني الكثير من الثغرات، من جهة أخرى؛ وعلى رأسها النقص المخلّ في الشواهد التجريبيّة على صعيد الحفريّات، وغيرها.
* أما النموذج الثاني فتمثّله مقاربة الفيزيائي العراقي الدكتور ( محمد باسل الطائي)، المتخصّص في المجال الكمّي، ونظريّة النسبيّة العامّة؛ حيث يؤكّد أنّ الإشارات العلميّة في القرآن الكريم، تحمل معطيات ومعلومات تستعصي على العقل البشري في ذلك الزمان، وينكر على (قسّوم) والنافين معه، أن تكون الحقائق التي تعرّض إليها القرآن معروفة حينذاك، بعد استعمالها مفاهيم ذات إشارات بالغة القوّة والدقّة إلى حقائق لم يتوصّل إليها البشر إلا في ظلّ النهضة العلميّة الراهنة.(انظر، https://youtu.be/lLZ7x7oYUNM وغيرها).
والحقيقة أنّ المتتبّع المنصف، سيجد أنّ الكثير من أبحاث الإعجاز العلمي البعيدة عن المغالاة، تؤيّد ما ذهب إليه الطائي، إذا ما تمّت مراجعتها موضوعيّا في مظانّها، وانتزاع نتائج إيجابية في هذا الصدد؛ من قبيل مؤلّفات (منصور محمد حسب النبي)، و(د. صبري الدمرداش)، وغيرهما.
وللعلم، فإنّ الدكتور الطائي رغم تبنّيه هذا الرأي، كان سبّاقا في بيان زيف بعض المحاولات الرائجة إعلاميّا حول الإعجاز العلمي؛ من قبيل برنامج (لايوجد تعارض-thereisnolash) الذي تقدّمه مذيعة محطة(BBC) السابقة (كلير فوستير) المتعاقدة مع مؤسّسة إسلاميّة تسمّى بنفس اسم البرنامج (لايوجد تعارض)، وكذلك مايطرحه (علي منصور الكيّالي) من تخرّصات...
(نتابع في الجزء الثاني للحديث عن الإشارات العلمية وقيمتها مستأنسين بدراسة الطبيب الفرنسي موريس بوكاي).
----------------------------------------
(*): من هو نضال قسوم؟
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%B6%D8%A7%D9%84_%D9%82%D8%B3%D9%88%D9%85
(**): من هو باسل الطائي؟
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D9%8A
جمال صالح جزان
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء