pregnancy

حُجب الأبدية









حُجب الأبدية

.............................................................................................


بين تلك الأودية المغمورة بالسكون الموشاة بنقاب الليل، تقبعُ ألاف الأرواح الهائمة، وتستقبل الليل بغزارة وتودعه مع ألحان الفجر وتبقى أثيرة مواريّة التراب...
كم يصعب عليّ الآن أن أدوّن بالكلام تلك الساعات المرموقة بنظرات عَجِزتُ عن تفسيرها، ولشدت ظمأها ظننتها السبيل الوحيد للخلاص...

هناك خلف حجاب الليل آخر ما توصل له بني البشر في وضع علامة تدل على وجودهم، يعيش رجلْ كهلْ أضناه البعد والهجران، كان صامتًا كالقبر هاجعًا
كقلب العجوز يقتات من وريقات عمره سنة بعد سنة
وكأنّ أيامه لا يدركها حين ينشد ويتمتم بشفتيه المقدستين أحجية الخلود....

كان يحدث نفسه كلَّ ليلة ويتجول بذكرياته كطفلٍ فارق صباه، لا الذكريات تعتقهُ، ولا حنينهُ لصغره يدعهُ يكبر..
الحياة مليئة بالمخاوف وأنت بك ألف ثقبٍ 

ولا أحد إستطاع البقاء معك..

حداثة الأشياء التي ظهرت لك وأقشعت عنها الأقنعة ظننتها حياةً لا تخلو من العذاب، أنت مخطئ يا عزيزي.
الروح حين تدوي وتوَّد الإنعتاق وملامسة حفيف الأشجار، هيَّ لا تستمع لحديثهم ولا تكترث لوجودهم..

إنَّ الأشجار التي تنال منها الرياح في عزلة الليل

وهي وحيدةً ليس لها مؤنس ولا أنيس 

ويشذبُ أغصانها بني البشر في رائعة النهار

هناك في قممها أعشاش تأوي آلاف الأرواح....

إنَّ نفسك التي تراها بين قطبة حاجبيك تارةً غاضبة وأخرى هادئة، هيّ هيّ تلك الروح التي تحلق في ملكوت الله، إنظر من حولك، سترى الأزهار والأشجار
تعانق الأرض في خريفها وربيعها

إنَّ الأحوال الإلهية التي صيّرت خصائل الياسمين إلى أضغاث صغيرة تراها مبتهجة وهيّ مندثرة على الأرصفة، إفتح نافذتك قليلًا ستجد الضباب 

تجوّل بأنفاسك خارج هذا الكوخ

خذ ماستطعت من الندى وغدو بعيدًا

كلَّ البعد سترى أنك أبسط رجلٍ على وجه الأرض..
أترى تِلكَ الأضواء الخافتة كم من قصةٍ حزينة دفنتها مصالحُ الحياة، فهذا طفل قال لأمهُ متى يعود أبي ليشتري لي السكاكر، هو يحدث أختهُ العمياء..

وهذه عجوزٌ شاخَت بها الأزمان لتجعلها تُسامِرُ قطتتها وتقول لها متى يعود أبنائي من الحرب
وأنت تحدث نفسك وتدفع بيديك ذلك الشخص القائم بينكما متى سأعود..!!...
وفي تلك اللحظة تجد نفسك محاط بعزلة تامة وسط غرفتك المغلقة.....
إنَّ النفس الحزينة تعتقد بأن كل من حولها مسرور لعمري أن الفرح لا يكتمل إلا بالحزن، وذلك الذي يضرب بجناحيه أيسر الصدر فتهجع له الأزمان وتعيدُ به الذاكرة إلى عالمٍ لا متناهي من الفرح...
ﺍﻟﻠﻴﻠﺔُ الصماء توقظ لهفتي من وسط جحيم المناداة ﻣﺮﻧَّﺤﺎً ﺑﺎﻟﺼﻤﺖِ الجارح وﺭﻏﻢَ ﻓﺪﺍﺣﺔِ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀِ ﺗﺘﺮﻛﻨﻲ ﻛﺎﻟﻤﺠﻨﻮﻥِ في ﺣﺰﻧﻲ، تائهًا في ناي قلبي أعزف للفجر ولأطواق الياسمين وأهذي لوحدي..

تقيدني بمعصمي وتحجب عن عيناي لوحةً رُسمت بعناية الله الواحد،مسيرها في السماء
باطنها في الأرض. وكأنَّ بينهما علاقة حب، فكلما هطل المطر لُوِّنت الأرض...
كمْ من حبات من المطر هطلت خلسةٍ على أنغامٍ علويّة لتعقدَ على الأرض أجمل بداية لشتاءٍ لا يخلو من الإشتياق..

وأمّا الحب الذي يأتيك في الهُجُوع وأنت مُفارق الحياة دعه يحملك بأجنحته ويذهب بك بعيدًا...
الحب ترنيمة عشقٍ لاتنتهي..

إنطوى الليل عليّ وأنا شاخصًا أمام النافذة

إنتظر ذلك الشخص كي يعود..........

مهدي علي رستم



شكرا لتعليقك