pregnancy

الاستحمام الداخلي










عندما نغير أنفسنا (الاستحمام الداخلي)
.......................................................................
كم مرة نستحم في الأسبوع؟
 البعض يقول 7 مرات وآخرين 5 أو 3  لكن لا أظن أحدا يفعلها أقل من مرتين في الأسبوع إلا في ظروف القتال والحرب التي يعانيها شعبنا.
ولكن ماذا لو لم نستحم؟
 النتائج معروفة 
السؤال التالي: اذا كان الاستحمام جد هام لنظافتنا وصحتنا ومن حولنا، فماذا عن داخلنا؟
منذ متى لم نستحم من الداخل؟
 على الأرجح منذ وقت طويل.
إذا كانت عوارض اللاإستحمام بادية وواضحة جدا؛ فما هو الحال إن تركنا داخلنا دون إعادة نظر ودون تنظيف وتجديد لعالمنا الداخلي؟
ألم تتراكم الأوساخ اي أخطاءنا؟
 ألم تتكاثف الخلايا الميتة أي أفكارنا البالية عن أنفسنا وعن المحيطين؟
إذا كانت الإجابة لا، فهذا يعني أننا بعيدون تماما عن الأهلية للتغيير، فكيف نغير الواقع الذي نعيشه إذا لم نكن قادرين على تغيير أنفسنا؟
ولكن عن أي تغيير نبحث؟ هل كل تغيير هو بناء؟ فثمة تغيير ينطوي على هدم كبير، لا بل على خراب داخلي مريع، ينبئ  بخراب خارجي كبير؛ فقبل أن تتهدم الأحياء والمدن تتهدم النفوس وتتخرب الدواخل، حتى يصبح انهيار الخارجي نتيجة تكاد تكون حتمية لانهيار الداخلي . 

والآن لنقلب اللوحة؛ 
فكل بناء خارجي ( تقنية، صحة، عمران) هو نتيجة لبناء داخلي في الإنسان (أخلاق، إيمان، تعليم، معرفة، تربية)
 ولهذا فإن طريق كل تغيير للواقع او للوطن أو للمنطقة أو حتى للعالم يبدأ بتغيير الإنسان، يبدأ بتغييرنا لأنفسنا، بالاستحمام الداخلي المتواصل أي بمراحعتنا  لما نحن عليه، وما وصلنا إليه. 
ولكن الحال صعب -سيقول البعض- والمراجعة في غير وقتها، ونحن مضطرون  للمضي قدما في أخطائنا  وانزياحاتنا لنتمكن من مواصلة الحياة ولإعالة الأبناء. 
على العكس تماما انه الوقت الصحيح للمراجعة. على الأقل لندرك الأخطاء وإن سقطوا أو سقطنا بها؛
 على الأقل لندرك أنها أخطاء وليست أمور جيدة، وليست حلوى صنعناها،
 لندرك أننا يجب أن نقتنص اية فرصة للتخلص منها. هنا يحضرني حديث شريف للرسول صلى الله عليه وسلّم (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان) 
التغيير هنا يبدأ عندما نسمي الأشياء بأسماءها، إذ من غير المعقول أن نطيح بكل القيم والمبادئ المجتمعية فنقول عنها هراء فقط لأننا سقطنا في الأخطاء. 
ومن غير المعقول أيضا أن نسمي الخطأ باسم آخر وان نضعه في موقع البراءة والنزاهة بسبب الظرف، ومن غير المعقول أن نحمق (نصفهم بالحمقى) الأخيار والمضحين واللذين لا يزالون يتمسكون بأفكارهم ومبادئهم في زمن كثر فيه البيع الرخيص.

ببساطة أن نغير العالم يعني أن نغير أن أنفسنا أن نجهد لزيادة المحبة في قلوبنا. فما الفائدة اذا بنينا معرفتنا وعلمنا على الحقد والكراهية؟ 
ألا يقوم بذلك صانعو الأسلحة الدمويون ، والباحثون  في علوم الاجتماع بهدف تدمير الأمم وسحق الشعوب؟ 
إلا يفعل ذلك الدواعش المتمرسون  في علم التفخيخ والقتل عن بعد وتسيير الطائرات الناظرة؟
لا فائدة من العلم والمعرفة ان بنيت على حقد وضغينة. 
يقول المسيح عليه الصلاة والسلام (أحبوا اعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم). هذا لا يعني الآستكانة أو الاستسلام لكنه يعني أن نتمنى الصلاح حتى لأعدائنا لأنهم إن صلحوا وصلحنا سيصبح العالم اكثر جمالا وسنختصر الكثير من القتل والشقاء.

إذا كثرت الكراهية في قلوبنا علينا أن ندرك أن القذارة لفحت داخلنا، وأنه آن الأوان لاستحمام داخلي قد لا يكون يسيرا.

إن الجهل المبني على رحمة ومحبة قد يكون ارحم بكثير من المعرفة القائمة على الضغينة، لكن الجهل لا أمان له، فالجاهل يسهل خداعه وسرعان ما تتحول محبته إلى كراهية. 
لذلك لا يمكن التعويل كثيرا على الجهلة ولو فاضت قلوبهم بالحب.
إذا كنت جاهلا فعلي أن أدرك أيضا انني بحاجة إلى التغيير، بحاجة إلى المعرفة.
إن قربي من المحبة يعني قربي من الله، حتى غير المؤمنين يدركون أن المحبة سر كوني عظيم لكنهم يكابرون، فلا يقرون بأنها ظل الله في الكون.

والجهل قضية خطيرة للغاية ومدمرة يمكن بسهولة استخدامه كوقود في إشعال الحروب و إطالة أمدها.
أيضا إذا كان الشخص منزويا بعيدا عن المجتمع سواء اكتفاء برضى النعمة التي يعيشها أو فقدانا للأمل منه (من المجتمع) فهو نصف شرير.
و ربما في هذا الوقت أصبح معظمنا نصف شرير. فالابتعاد عن المجتمع بدعوى الذاتية أو الخوف أو الاحتقار لا يعني إلا هروب إلى الأمام من المشكلة أو الكارثة القادمة، ولا يعني سوى تخل عن المسؤولية المجتمعية التي تقع على كاهل كل منا، وهو تخاذل حقيقي مهما كثر المخطئون  والمبغضون  من حولنا.
التغيير إذن يبدأ من عالمنا الداخلي الكبير والمتشعب والذي ليس من السهل تعديله فما بالك بتغييره، وقبل كل شيء يبدأ بقلوبنا (المحبة) وعقولنا (المعرفة) وأيادينا (التلاحم)

هنا فقط يمكننا أن نتحدث عن البداية  بداية التغيير.

علي حسين  الحموي
شكرا لتعليقك