اللغة العربية : آفاق ومستقبل .
اللغة مظهر من مظاهر قوة الابتكار في مجموع الأمة , أو ذاتها العامة , فإذا هجعت قوة الابتكار توقفت اللغة عن مسيرها , وفي الوقوف التقهقر , وفي التقهقر الموت والاندثار .
إذن فمستقبل اللغة العربية يتوقف على مستقبل الفكر المبدع الكائن ـ أو غير الكائن ـ في مجموع الأمة التي تتكلم اللغة العربية , فإن كان موجوداً كان مستقبل اللغة عظيماً .ولكن ما هذه القوة التي ندعوها الابتكار ؟
هي في الأمة عزم دافع إلى الأمام . هي في قلبها جوع وعطش وشوق إلى غير المعروف . وهي في روحها سلسلة أحلام نسعى إلى تحقيقها ليلاً نهاراً ولكنها حلقة من أحد طرفيها إلا إذا أضافت الحياة حلقة جديدة في الطرف الآخر , هي في الأفراد النبوغ , وفي الجماعة الحماسة , وما النوع في الأفراد سوى المقدرة على وضع ميول الجماعة الخفية في أشكال ظاهرة محسوسة .
إن خير الوسائل , بل الوسيلة الوحيدة لإحياء اللغة هي في قلب المثقف إن كان أديباً او شاعراً وعلى شفتيه وبين أصابعه , فالأديب هو الوسيط بين قوة الابتكار والبشر , وهو السلك الذي ينقل مايحدثه عالم النفس إلى عالم البحث , وما يقرره عالم الفكر إلى عالم الحفظ والتدوين .
نعني بالأديب ذلك الزارع الذي يفلح حقله بمحراث يختلف ولو قليلاً عن المحراث الذي ورثه عن أبيه فيجيء بعده من يدعو المحراث الجديد باسم جديد , وذلك البستاني الذي يستنبت بين الزهرة الصفراء والزهرة الحمراء زهرة ثالثة برتقالية اللون , فيأتي بعده من يدعو الزهرة الجديدة باسم جديد .
أما المقلـّد فهو الذي يردد صلاة المصلين وابتهال المبتهلين بدون إرادة ولا عاطفة , فيترك اللغة حيث يجدها , والبيان الشخصي حيث لابيان ولا شخصية .
كل شرقي يستطيع أن يكون شاعراً في حقله وفي معبده وفوق منبره وبجانب مكتبته , كل شرقي يستطيع أن يُعتق نفسه من سجن التقليد والتقاليد , ويخرج إلى نور الشمس فيسير في موكب الحياة , كل شرقي يستطيع أن يستسلم إلى قوة الابتكار المختبئة في روحه ـ تلك القوة الأزلية الأبدية التي تقيم من الحجارة جنة الله .
لنحافظ على لغتنا الأم ـ العربيةـ لنطور مناهجنا الدراسية , لنتكلـّم ولو لدقائق قليلة في اليوم باللغة الفصحى كي لاننساها أو نتناساها , ليكن لنا من حماستنا القومية دافعاً إلى تصوير الحياة بما فيها من غرائب الألم وعجائب الفرح فلغتنا جديرة باهتمام متكلميها .
ظهير الشعراني
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء