مسرحية تلميذ الشيطان
للكاتب الأيرلندي البريطاني جورج برنارد شو
"1856 – 1950"
هذه المسرحية فيها خطان أو محوران: المحور الأول هو عرض صورة من كفاح الأمريكان في القرن الثامن عشر – وتحديدًا سنة 1777 – ضد المستعمر الإنجليزي، والمحور الثاني هو عرض صورة تلميذ الشيطان ريتشارد دادجن البطل الرئيس في هذه المسرحية ورأيه في عبادته للشيطان. أما عن المحور الأول فيها فالمسرحية تصور المستعمر الإنجليزي في الولايات المتحدة الأمريكية وهو يفقد مستعمراته فيها واحدة بعد الأخرى، ويرد المستعمر الإنجليزي بعنف على هذا الوضع المتردي له هناك، فيأمر باغتيال بعض الأمريكان، ويقيم محاكم عسكرية صورية لبعضهم ثم يعدمهم.
وفي هذه المسرحية نرى القس أنطوني أندرسون يناصر الأمريكان المقاومين للمستعمر الإنجليزي، ويأمر الإنجليز بالقبض عليه لمحاكمته صوريًّا ثم إعدامه، ويتصادف أن يكون في بيته ريتشارد تلميذ الشيطان، ويغيب القس عن بيته قليلاً، ويهجم الجنود الإنجليز على بيته، ويستسلم لهم ريتشارد على أنه القس، ويأمر زوجة القس جوديس بألا تقول الحقيقة.
وحين يعود القس لبيته، ويعرف من زوجته أن الجنود الإنجليز قبضوا على ريتشارد حين أوهمهم أنه القس يأمر بتجهيز فرسه، ويقول لزوجته: إنك لم تكوني تعرفين زوجك، ويسرع بالهرب من البيت، وتظن زوجته أنه هرب؛ لينجو من الموت، ولم يفكر في الشخص الذي أنقذه؛ ولهذا تنقم على زوجها، وتذهب لريتشارد في محبسه قبيل محاكمته وإعدامه، وتتعاطف معه، وتظن أنه سلم نفسه مكان زوجها لكونه يحبها، ويوهمها حينًا بهذا، ثم يصارحها بأنه لا يدري لماذا فعل هذا، وتحاول أن تنقذه، وتقول لمحاكميه: إنه ليس زوجها القس، ويتأكد محاكموه من هذا، ومع ذلك يصممون على إعدامه مكان القس الهارب.
وقبيل تنفيذ الإعدام على ريتشارد بلحظات يأتي القس أنطوني ويعرفهم بنفسه، فيقبضون عليه، ويقول لهم: إنه مندوب عن الولاية التي خرجت من أيديهم، وتنذرهم بالجلاء عن هذا المكان خلال ست ساعات، وحينذاك يحترمه القادة الإنجليز، ويتشاورون معه في أمر جلائهم عن هذا المكان، ويعرف زوجته بأنه مناضل أخذ مكانه في الكفاح ضد الإنجليز، وهيج الولاية على الإنجليز حين قبضوا على ريتشارد، وسعى لإنقاذه، فتفرح زوجته بهذا، وتنتهي أحداث المسرحية، وهذا هو المحور الأول بها.
أما المحور الثاني فيها فهو تصوير شخصية ريتشارد دادجن تلميذ الشيطان، فهو يظهر في هذه المسرحية شخصًا بغيضًا عند الجميع إلا زمرته من المجان حتى أمه تبغضه، ومع ذلك نرى أن والده قد أوصى له بمعظم ممتلكاته في وصيته الأخيرة قبل موته – ولا ندري لماذا! – ومع ظهور ريتشارد على المسرح يدافع عن عقيدته في عبادته للشيطان وتمجيده إياه وأنه وهب له روحه ويراه حاميه الذي يشعر به ويتعاطف معه، ولا شك أن في تصوير ريتشارد على أنه باع روحه للشيطان تأثرًا بحكاية فاوست الألمانية ومعالجة كريستوفر مارلو وجوته لها في مسرحيتيهما عن فاوست، ولكن الفارق هنا أن فاوست في الحكاية الشعبية عنه والمسرحيتين السابقتين باع روحه للشيطان مقابل أن يعطيه المعرفة والمتع الحسية، أما ريتشارد فباع روحه للشيطان لاعتقاده أنه هو الوحيد الذي يشعر به ويتعاطف معه.
ولم يوضح لنا شو في هذه المسرحية كيف يشعر الشيطان بريتشارد وكيفية تعاطفه معه، فهو ليس سوى عربيد فاجر يصحبه عصبة من المجان، ولم يقنعنا شو بشخصية ريتشارد في إيمانه بالشيطان، وكذلك لم يقنعنا في تمسك ريتشارد بعقيدته، ولم يقنعنا أيضًا في وضع نفسه مكان القس أنطوني، وقوله للجنود الإنجليز: إنه القس، فلا نتوقع من شخص حياته كلها في المجون أن يصبح مرة واحدة بطلا يرغب في التضحية بحياته من أجل قِس هو يراه من أشد الناس عداوة له.
وهذا التناقض يحاول شو أن يزيله في نهاية المسرحية بالعبارة التي يقولها القس: بأن الحياة تتسع للجميع. ولا شك أن الحياة تتسع للجميع، ولكن شخصية ريتشارد غير مقنعة في مواقفها في هذه المسرحية، فلم يأتِ بحجج مقنعة تبرر عبادته الغريبة للشيطان – عليه لعنة الله – وكذلك لم يكن تصرفه البطولي في تقديم حياته للموت بدلاً من القس مقنعًًا وهو الشخص اللاهي الماجن.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء