pregnancy

أزمة المفاهيم












أزمة  المفاهيم 

"ما نتقبله اليوم كان مستهجناً في زمان مضى, وما نستهجنه اليوم سيكون مقبولاً في زمان سيأتي".عن الصحابي الجليل "أبي الدرداء".

سأتابع حديثي عن "وَقـــع الكلمات" , وسأكتفي هذه المرة باللغة العربية نظراً لمرونتها وكونها لغتنا الأم.

تعاني معظم مجتمعاتنا العربية من أزمة , أزمة تنمو كل يوم نمو سريع وغير طبيعي , على عكس فكرة النمو والتي تحتاج إلى وقت وفترات محددة,ألا وهي "أزمة المفاهيم".
فمفاهيم عظيمة تحولّت إلى مفاهيم مطاطة يُفصلها كل حسب مقاييسه و وجهة نظره, دون الأخذ بعين الاعتبار أي معايير منطقية كانت أم إنسانية.

فالانحلال أصبح حرية , والحب أصبح بالعامية ما يسمى تمسيح جوخ!وغيرها من المفاهيم التي يصر الكثيرون على إضفاء الطابع السلبي عليها و نكران فكرة وجودها منذ التكوين وبفعل الطبيعة.
فالخيانة مثلاً أصبحت بمنزلة للحق المشروع! والطيبة أضحت غباء!
لطالما كانت كلمة "وعـــد" مصحوبة بشيء من الأمل المؤجل وأشبه ما تكون إلى جرعات من الفرح المؤقت ; تُطلق من ناس لم ينتبهوا إلى مدى صعوبة تحقيقها بل أنهم اكتفوا فقط بسهولة لفظها!

فكلمة "وعـــد" تحتاج إلى مكونات أساسية لتبلغ ذروة معناها السامي , فالوعد أولاً يعني النضج كما يعني الوعي , الأخلاق , الالتزام والمقدرة وغياب أي من هذه المكونات يُحدث خللاً في الجوهر.
فكلمات كثيرة لها درجات معينة كالألوان , فالحب يملك درجات عديدة من غرام وهيام وأوضح درجاته وأكثرها تأثيراً هي درجة السمو ألا وهي "العشق". 

فكما الشعور يتفوق على الإحساس كذلك "العشق" يتفوق على أقرانه.والحب هو دون أدنى شك صورة من صور الحرية وتجسيداً لها, بينما الحرية لا تعني بالضرورة حب بل على العكس هي الوجه الآخر للأنانية وفي أوقات أخرى للنرجسية.

في مقالتي السابقة تجنبت الحديث عن المجتمع وتداعياته على تكوين الكلمات ووقعها , وذلك بسبب وجهة نظر شخصية مفادها بأنه مهما كان المجتمع متزمتاً ويفتقر إلى ثقافة "نضج المفهوم" وقابليته في أوجها للإصابة بجراثيم تعمل على تشويه المفاهيم والفتك بها , فارتدادات أمراضه وعوارضها لا تستطيع التأثير علينا و تصيبنا بالعدوى فيما إذا كنا محصنين ونمتلك مناعة ذاتية و"تفهم" لذواتنا والأهم من هذا كله إذا كنا قد بلغنا مرحلة النضج على كافة المستويات. 

فعلاجنا هنا هو علاج ذاتي ولا نحتاج لأي طبيب آخر.هذا دون أدنى شك يحتاج إلى وقت طويل , فالرواسب التي خلفها المجتمع والطفيليات الصغيرة هي نتاج فكر جمعي أو بالأحرى نتيجة مرض مزمن يرفض قبول أي علاج جديد لكونه يخالفه في الأعراض والتجليات.
فلنتبنى إذاً سياسة التجربة الفردية لأنها هي الوحيدة التي تمنح صحة جيدة لفترات طويلة!

معظمنا سمع عن السفينة الإنجليزية تايتانيك "Titanic" , تلك السفينة العملاقة والتي صممت بأفضل المعايير وبأيادي أهم المهندسين وأكثرهم خبرة , بالإضافة إلى أنها كانت مزودة بأعلى معايير السلامة.بدأ بنائها عام 1909 وبعد ارتطامها بجبل جليدي في المحيط الأطلسي وبعد ساعتين وأربعين دقيقة من الارتطام غرقت بالكامل.لم تكن هذه السفينة مصممة للارتطام بجبل جليدي ضخم, وربما هذا هو سبب غرقها وربما أسباب أخرى نجهلها!
ولكن حتى بعد غرق السفينة كان هناك عدد من الناجيين , والذين أكملوا حياتهم بطريقة طبيعية. 

ربما كانت فرصة نجاتهم هي إشارة ربانية لكي يكملوا مشوارهم في الحياة وكقول الكاتب "كويلو" في "الخيميائي":" وعندما ترغب في شيء ما , فإن الكون بأسره يطاوعك على القيام بتحقيق رغبتك."
بالانتقال إلى كلمة أخرى "ظروف" , هذه الكلمة يلجأ إليها الكثيرين كي يبقوا بعيدين عن ساحة المعركة وجبهات القتال.
لا بد من وجود "ظروف استثنائية" لا دخل لنا في حدوثها ولا في توقيت مجيئها ولا قدرة لنا على التغلب عليها أو مواجهتها. ولكن هذه الظروف الاستثنائية هي من وجهة نظري اختبارات لنضج الآخر ومدى تفهمه, ولكن :" "كثيراً ما يلوم الناس ظروفهم لما هم فيه. أنا لا أؤمن بالظروف. 

الناجح في الحياة هو من يسعى للبحث عن الظروف التي يريدها، وإن لم يجدها يصنعها بنفسه" .هذا ما قاله المؤلف الإيرلندي "جورج برنارد شو " .
بالانتقال إلى مفهوم مستقل بحد ذاته , مفهوم يحتاج إلى طاقة كبيرة وإلى تنازلات عديدة , "التَفهم"ذلك المفهوم المنفصل كلياً عن الفهم كمفهوم.

و"التَفهم" لا يعني أبداً التخلي عن الكبرياء والكرامة , بل إنه إذكاء لهما.ما يحتاجه فقط هو تقدير الطرف الآخر لكي يحول دون خيانة مفهومه. والتفهم عبارة عن حالة سلام داخلي تجتاحنا دون الخوض في حرب مع الآخر! الآخر الذي يحتل مكانة عالية ومرتبة مميزة في حياتنا. ومن "التَفهم" تتفرع مفاهيم مستقلة أخرى كـ"السعادة".وإذا كان "الفهم" حالة تقترب من "المثالية" , فـَ "التَفهم" هو الواقعية والمثالية في آن معاً.
و"التفهم" موضوع غاية في الصعوبة , فغير أنه يحتاج إلى طاقة عالية , فهو بحاجة ماسة إلى النضج وقدرة قبول الآخر بطريقة تفكيره وقناعاته والتي ربما تعاكسنا وتعاكس ثوابتنا.

على مبدأ :"لكي نحارب التجريد يجب أن نشبهه قليلاً"

ومسك الختام هو مقولتي عن التفاهم:
"التفاهم هو العراب الروحي للحب"
وفي ختام هذا الجزء , أخلص إلى القول : من لم يكن صادقاً مع نفسه ومتفهماً مع ذاته فهوى ومهما امتلك من مفاهيم ناضجة أو في طور النضج هو شخص يفتقر إلى النضج ويؤسفني القول هو شخص منافق.
يتبع...
هامش:
علاقات من الماضي , وجودها في البال يلغي فكرة حدوثها في الماضي.مشاعر عظيمة ولحظات عصية على النسيان , تواريخ محددة ودقائق معدودة تأبى المغادرة.
هي نفسها العلاقات التي تساعدنا على فهم ذواتنا على الرغم من أن مجر التفكير فيها يستنزفنا.
فعلينا معرفة وتبني طريقة "لتفهمها" , كي نضفي عليها صيغة "الماضي الجميل". أبطالها أنا استثنائيين , ومها حدث يجب أن نتجنب صيغة الماضي الناقص..كانوا.
لأن ما منحناه لم يكن ناقصاً على الإطلاق.ربما غادروا بطريقة غير مشروعة وغير مفهومة وغير متوقعة ,غادروا وانتهى الأمر.
غيابهم لا ينبغي التحول إلى سبب لكرهنا إياهم أو لوم أنفسنا. 
فالرحيل ضروري في بعض الأحيان ربما لكي نفهم أنفسنا ونتفهمها!

محمد حرفوش
بتصرف.....

خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء

:)
:(
=(
^_^
:D
=D
=)D
|o|
@@,
;)
:-bd
:-d
:p
:ng
:lv
شكرا لتعليقك
Loading...