pregnancy

من الذكريات








من الذكريات

في خمسينيات القرن الماضي كان مديرنا " م ب " في مدرسة خالد بن الوليد الابتدائية نسيج وحده . لم ترَ هذه المدرسة مديراً على شاكلته , في اهتمامه بالمدرسة , وقسوته على الطلاب ... 
كان يحيا للمدرسة وحدها ... وكانت همه وشغله , من كل شواغل الحياة , فقد أوتيَ الفطنة والهمة والدأب ... كان الكلل عنده شيء مستحيل , قد بسط الرهبة والهيبة على جوّ المدرسة ... داخلها وخارجها . 
كانت ثقافته متشعبة , يحسن كثيراً من كل الأشياء , وإذا فاته شيء أكبّ عليه وخرج منه بكل شيء , ولا يدخل الصف إلا وقد هيأ كل شيء  , فهو يتعلم قبل أن يُعلم , وهو تلميذ قبل أن يكون مُعلماً ...
كان يهتمّ بالصغير قبل الكبير , ويحصي على الطلاب كل شيء حتى أنفاسهم ... يلاحقهم من مكان إلى مكان في المدرسة وخارجها , يساعده على ذلك قامةٌ رفيعة طويلة ,إذا مشى مشى جمزاً , وإذا خطا خطا وثباً. 
أوجد في المدرسة نظاماً صارماً لايستطيع أحد أن يُخلّ به , والويل لمن يسهو أو يغفل , أو يسيء إلى الهدوء ... لأن عينيه الخفيتين كانتا تخترقان الجدران , وتسجلان على كل طالب كلّ نامة , أو حركة . 
كان يؤمن بالجزاء العلني , وكانت له عصاً تُخيف أشرس الطلاب , وطالما وقفنا صباحاً في ساحة المدرسة , صفوفاً , وخرج علينا يسأل : 
ــ مًنْ كان يلعب بالدُحلِ أمس ؟ ومن كان يتسكع على البيادر ؟ , والويل لمن يحاول أن يخفي نفسه , لأن عيونه التي كانت ترصد , كانت ترى مايجب أن يراه . 
لاأستطيع أن أحكم على هذا الضرب من التربية , ولكن القسوة الجائرة ربما تُفسد أكثر مما تُصلح . غير أن للتربية حدود وللتعليم أساليب . 
التقيته في ثمانينيات القرن الماضي في " حماه " وقد احدودب ظهره . وبدت الشيخوخة على مُحياه , وقد تفاجأت عند مصافحتي له إذ قال : " شعراني!! واعذرني لأني لاأتذكر الإسم الأول " فذكرته به , وافترقنا , وسمعت بعد ذلك أنه قد توفي . فله الرحمة والغفران .
طيّب الله أوقاتكم بالخير 




ظهير الشعراني
شكرا لتعليقك