pregnancy

المساكين ..سامر منصور




المساكين 

(المشهد الأول)، (الزمن: المغيب) الأشخاص: السعادة (حسناء)، امرأة فقيرة، رجل كهل عليل، رجل دين، فتاةٌ قبيحة، محارب، شاب أنيق، شابٌ رحالة مغامر، فيلسوف، فنان (رسام).
(ظلام يطغى على المسرح باستثناء مكان الشخصيات. نرى السعادة تدخل على الجمع السابق ذكره. ترتقي السعادة بضعة أدراج ثم تجلس على عرشها بينما يضجُّ الجمع منبهرين بطلعتها ويسود السكون حين تتحدث).‏

السعادة: هل بحثتم عن شقيقي التوأم؟.. نذرت نفسي لذي البصيرة الذي يهتدي إلى توأمي.‏

(يضجُّ الجمع يتقدم الفيلسوف)‏

الفيلسوف: كثر المُدعون فجئناكِ بهم أجمعين لتنظري في أمرهم.‏

السعادة: ليدخلوا علينا تباعاً.‏

(تتقدم المرأة الفقيرة)‏

المرأة الفقيرة: اسمحي لي أن أكون البادئة في التقديم كي أحفظ وقت إخوتي.‏

السعادة: قدميه فليحدثنا عن نفسه عسى أن نستدلَّ بحديثه على الجوهر فنحن لا نأخذ بالمظهر.‏

المرأة الفقيرة: يا سيدتي.. يا أيها الجمع.. أقدم لكم الثراء.‏

(يدخل الثراء)‏

الثراء: أنا النهر الذي تنحني على ضفافه مباهج الحياة فيرتوي من شفاهها أكثر مما ترتوي من سيله الدافق.. ما أن أحلَّ في منزلٍ حتى أنير أرجاءه وأغير هيئة أهله.. إن رافقت إنساناً فتحت له الأبواب وابتسمت له الأفواه وتراكض الناس حوله إكباراً وإجلالاً.. من يطيل عشرتي ينسى أنه فان، وينشغل برؤية الدنيا تسعى فتضع زخرفها تحت قدميه.. أنا غاية الغايات.‏

رجل الدين: مهلاً.. مهلاً.. المال وسيلة وليس غاية.‏

الثراء: هذا محض كلام وأفعال البشر بعيدة ٌ كل البعد عن تصديقه.. المال القليل وسيلة، لغاية المال الكثير.. والكثير قليل عندما يوجد الأكثر.. لذا فالمال أبداً ودوماً الوسيلة والغاية معاً.. قل لي يا صاحب السماحة كم من فتاةٍ ألقت عفتها في بئر النسيان واستحالت عاهرة عسى أن تقترب مني ولو قليلاً.. !! كم من تاجرٍ باع ضميره مع أول دفعةٍ من بضائعه؟.. باع الإنسان أخيه الإنسان في سالف الزمان فكان الأسياد وكان العبيد، وجل بني البشر لوصالي المديد مُريدٌ عنيد.. ها قد أخبرتكم عمّا يفوق الألف ألف شهيد؟.. وما كان لأحدكم أن يأتي بشهودٍ أكثر من أشهادي.. أنا أقولها ملء فمي أنا توأمكِ. فمن ذا يفوقني جلالاً؟‏

السعادة: قلتَ فأحسنت القول..‏

(يتقدم الشاب الأنيق)‏

الشاب الأنيق: مهلاً يا سيدتي.. لا يغرنكِ قوله واسمعي ممن معي.‏

السعادة: قدم بين أيدينا.‏

الشاب الأنيق: جئتكِ بأقدس الأقداس.. بمالك الحواس.. بمُغير ومُسيّر الناس.‏

(يدخل الحُب)‏

الحُب: أنا الحُب.. أنا الشيء الوحيد الذي لا يشتريه المال.. أغير معالم الحياة وألوانها بلمسة.. بهمسة.. أنا نغمة تداعب الروح.. أنا أسمى ما يجمع الإنسان بالإنسان..‏

اسألوا الناس عني، أنا طائرٌ هبط من سماء الخلود ليبني في القلوب المرهفة لنفسه أعشاشاً.. أنا توأم الربيع.. أنا ينبوعٌ يتعمد الوجود بمائه فيغدو كل شيءٍ بديعاً.. فأنى ينكرني أحدٌ لكِ توأماً؟!!.. لا تسمعوني في كلامي بل اسمعوني في صمتي البليغ أعيد حياكة الأرواح بأناملي..‏

(تتقدم فتاةٌ قبيحة)‏

الفتاة القبيحة: مهلاً.. جئتكم بالجمال.. مفتاح الحُب وغاية الثراء.. فاسمعوه.‏

(يتقدم الجمال)‏

الجمال: هل لي أن أقول فأفصل في المسألة؟‏

السعادة: تفضل.. إنّا مصغون.‏

الجمال: الحب وهمٌ لا أكثر يدور في فلكي..‏

(يضجُّ الجمع)‏

الجمال: الحق أقول.. ما هي أهم رموز الحب؟ أليست الوردة الحمراء؟ لماذا نرى المتحابين في أشعار الإنسان ورواياته غايةً في الجمال حتى لو كانوا فقراء؟ لماذا يأتي الفارس بهي الطلّة على الحصان الأبيض؟ لماذا لا يأتي على الحمار الأبرص؟ من ذا لا يتمنى أن يكون حبيبه جميلاً؟ ما كان القبيح ليتزوج قبيحة لو لم ييأس من الاقتران بجميلة.‏

يؤثرني الناس على كل شيء وما طلب الناس للمال إلا ليبتعدوا عن القبح ويقتربوا مني في دورهم ومركبهم وملبسهم.. لو انجلى ضباب الحب عن هذا الكوكب لما اختلف فيه شيء وليستمرَّ بقاء الجنس البشري بالشهوة شأنه شأن جميع الكائنات.. ولو كنت احتضنت جميع البشر بجلبابي لما قامت للحب قائمة ولكن لما أعرضت عن النزر اليسير منهم ابتدعوا الحب ليبرروا اجتماع القبيح بالقبيحة وما سينتج عن ذلك من قبحٍ يلد قبحاً.. الجميع يحبونني ويبتسمون لي وتنشرح صدورهم لوصالي..‏

الجنة هي حين أرتدي أبهى حُللي.. أنا نسيج النور.. وزهورٌ تعانق زهور.. أنا ترانيم الطيور واللؤلؤ الوهاج في عتم البحور.. أنا وقفة فرسٍ ممشوقةٍ أصيلة.. أنا السماء وقت الشروق بالأرجوان كحيلة.. أنا الألوان تنساب وتسيل.. والثريّا تستلقي على بساط الليل المخملي الجليل.. كفاني فخراً أن الناس أقاموا الفنون محراباً تسجد فيه أرواحهم وتسبِّحُ بحمدي.‏

السعادة: ملكت علينا مداركنا.. وعباراتك سحرت بصائرنا.. هل هناك من يريد التقدم بين يدينا؟‏

الرحالة المغامر: أقدم لكِ يا سيدتي.. التجدد.. هو المرآة التي يراكِ الناس عبرها فهو إذاً لابدَّ توأمكِ.‏

(يتقدم التجدد)‏

التجدد: ما أكثر ما قاله الجمال وما أقلَّ الصدق فيما قال.. الإنسان يا أختاه هو من ابتدع الجمال والقبح في جملة ما ابتدع.. الإنسان يعيش صراعاً مع ذاته لذا وضع ثنائياتٌ يصنف من خلالها الأشياء.. إلا أن حكماء البشر الذين عرفوا كيف يتصالحون مع ذواتهم، يرون الوجود ما وراء القبح والجمال والخير والشر والحق والباطل.. إن عين البصيرة تأبى الأحكام المطلقة وأن ترى الأشياء إما بيضاء أو سوداء.‏

أخبروني.. حين يدخل الرجل بيته ويغلق بابه في وجه برد الشتاء وثلوجه ثم يجلس قرب النار كيف يراها؟‏

حين يفرُّ رجلٌ من مدينته تلوكها ألسنة اللهب وقد خلَّف فيها بعض أهله كيف يرى النار؟‏

بعد كلِّ ثورة بركانٍ عظيم تظهر الجنات ألفافاً.. هذه سنة الحياة.. النباتات الغضة لطالما خرجت من تحت الرماد وما كانت أغصانها لتنشد أنشودة الحياة لو لم يكن لها من دروب النار مِداد.‏

أما عن نفسي فأنا فكرةٌ خالدة بخلود الوجود.. أنا محور عجلة الأزلية.. وعظمةٌ لا يحتويها ثوبٌ من أثواب المادة.. أنا فجرٌ جديد.. وأنشودة الحياة الشجية التي تصدح بها حنجرة الوليد.. أنا رقصة ٌ لا تعرف النهاية.. أنا حلمٌ يُطارده الإنسان في حقول التقدم والإنجاز.‏

يخال المرء أنه يُدرككِ أيتها السعادة حين يحصل على منزلٍ أو مركبٍ لطالما حلم به وأراده.. لكن من ذا يقنع بلباسٍ واحدٍ أو مُقام ٍ واحدٍ أبد الدهر مهما حسبه جميلاً؟!‏

من ذا لا تتجدد أشرعة أحلامه مع تتابع أمواج السنين؟‏

إن كان هناك من جمال فالجديد هو الجميل فكل ما يذوي قبيح.. لا جمال بلا خلود.‏

وحدي أنا أستحضركِ في نفوس البشر مع كلِّ خطوةٍ أخطوها فأنى تنكرينني بعدما بينتُ يا أختاه؟‏

(يتقدم رجل الدين)‏

رجل الدين: جئتكم بالقناعة والرضا .. وكما تعلمون القناعة كنزٌ لا يفنى.‏

الشاب الرحال المغامر: القناعة عصا في عجلة التطور والتقدم.. ولا ينبغي للإنسان أن يبقي على ما بين يديه ويقنع به إن لاح له ما هو خيرٌ منه على دروب السعي.‏

المحارب: وحدهم الكسالى من يكبحون جياد الطموح ويمنعونها عن العدو في مضمار الحياة.. وحده الذي يسبقه طموحه يرتقي وينال المجد.‏

(يضج الجمع، كلٌّ يدافع عمن أحضره)‏

السعادة: مهلاً.. مهلاً.. دعونا نسمع من الفيلسوف.‏

(يتقدم الفيلسوف وسط صمت الجميع)‏

الفيلسوف: لا أخال يا سيدتي أن مسألة العثور على شقيقك التوأم ستحلُّ في جلسةٍ واحدة.. وأحسب أن البحث عنه سيدوم ما دام استمرار البشر في هذا الوجود.‏

السعادة: من هو الأدنى للصدق فيمن سمعنا؟‏

الفيلسوف: أرى أن التجدد حتى الآن هو صاحب الحجة الراجحة.. ومن يدري قد أرى في مآتي الزمان خلاف هذا الرأي.‏

السعادة: كنت قبل لقائكم لا أهتدي إلى توأمي أما وقد اجتمعت بكم وسمعتكم فقد بتُّ تائهة ً عن ذاتي..‏

(يضجُّ الجمع ويسود الخصامُ الصاخب)‏

المشهد الثاني. (المكان: الجنة)‏

(نرى السعادة تستيقظ من غفوتها)‏

السعادة: كم كان حُلماً غريباً.. ظللت أراقب ظلي الممتد خارج السماء.. ظللت أراقبه وهو يرقص على الأرض حتى حلمتُ بأنني في عالم الفانين.‏

(تدنو السعادة من إحدى نوافذ النعيم المُطلة على الأرض وتنظر بحسرة).‏

السعادة: لا تفتتنوا أيها المساكين.. ليس هذا إلا ظلي وما للظلال من توائم. لم أكن يوماً بينكم. أفيقوا من غفلتكم.. على ماذا تختلفون؟!!‏

(تتنهد السعادة)‏

السعادة: آهٍ لو تستطيعون سماعي.‏



سامر منصور 

خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء

:)
:(
=(
^_^
:D
=D
=)D
|o|
@@,
;)
:-bd
:-d
:p
:ng
:lv
شكرا لتعليقك
Loading...