pregnancy

عائشة - قصة قصيرة









قصة_قصيرة
عائشة

..على الرغم من عدم تجاوزها للخمسين من العمر الا أن المرض أنهكها .. فهي تعاني من مرض الغدة والديسك وآلام المفاصل .. أمراض رافقتها منذ أن كانت تشقى وتتعب ضمن أسرة زوجها والتي تتألف من ام وأب وولد وحيد ..
كانت تلعب مع أولاد الحارة وبناتها أمام باب الدار .. عندما أتاها صوت أختها الصغرى .. عايشه تعالي أمك بتناديلك .. لم ترد عليها فهي مستمتعة باللعب .. يعود صوت أختها مرة أخرى .. الا أنها تضطر الى الانصياع بعد سماع صوت والدتها بضرورة المجيء .
تسارع اليها لتأخذها من يدها الى الغرفة ولتعطيها ثوباً جديداً..
"البسيه واخرجي ..جاءكِ خطاب "..
تنظر الى والدتها وهي مندهشة .. ماذا تقول !! لم تفهم بعد ؟؟
"هيا بسرعة .. سيرونك أنت وأختك ماجدة "..
وتخرج من الغرفة .. تقف أمام المرآة تتأمل جسدها الصغير وهي ابنة الثالثة عشر .. ولسان حالها يقول : "خطابة .. أنا بدي ألعب ..أف ..كيف وليش ؟؟"
ويأتيها صوت والدتها من خارج الغرفة بسرعة .. "الخطابة عم يستنوا " ..
تنصاع لأمرها .. ترتدي الثوب ، وتفك جديلتها لينسدل شعرها الذهبي على كتفيها ..
تدخل الغرفة تسلم وتجلس الى جانب أختها الأكبر منها بسنة ..
سيد وسيدة لم تعرفهما قط ، يجلسان الى جانب شاب يكبرها بعدة سنوات ليست بكثيرة قد تقارب الخمس سنوات . طلته وملامحه جميلة .. يتأملونهما هي وأختها .. لتعلن السيدة الأم خياراتها !!.
"ياأبو علي بدنا نآخد الصغيرة .. الله يبعتلها نصيبها للكبيرة "..
وبدون أي تردد أو حتى تريث .. يجيب والدها : "عطيتكن على بركة الله " .. ويبدأ بازار النقد ..مقدم الصداق ووووو.
"هكذا نحن !! لا رأي لفتاة بزواجها ".. هذا ما تقوله لها أمها وهي تخفف عنها بعد أن رأتها تبكي رافضةً الزواج .. تحاول ان تهدىء من روعها .. من خلال تحسينها لصورة العريس وأهله .
"عائلة غنية وولدهم وحيد .. والرزق كلوا الو .. وعريسك شكله حلو وأنتِ بتحبي الحلوين "..
ليس باليد حيلة .. تحاول أن تستعيد ملامح ذلك الشاب فتراه فعلا شاباً جميل الطلة والمحيا .. تقول بينها وبين نفسها : "لعل جمال خلقه مثل طلته " ..
وتمضي الى عش الزوجية ، حيث زوجها ووالديه . فتاة صغيرة ، وشاب صغير متزوجان . تتحمل مسؤوليتهما والدته .. تلك الأم التي تعمل في المنزل والحقل .. حقل يحتوي على أشجار مثمرة وأراضٍ مزروعة بكافة أنواع الخضار .. بينما الأب يعمل في سلك الشرطة ، فيغيب معظم الوقت في عمله ، والأم هي التي تدير شؤون المنزل والحقل ، وحتى شؤون الزوجين الصغيرين ..
تأخذها الى الحقل لتعمل معها في جني المحصول وفي قطف الرمان و عصره ، وقطف المنتوجات الزراعية ، والقيام بأعمال صنع دبس الرمان والفليفلة والبندورة ..
تعلمها العمل المنزلي من طبخ وترتيب المنزل وتعزيل البيت ... وأصبحت عائشة يدها اليمنى على الرغم من صغر سنها ، فهي كانت نشيطة وراضية بما قسم لها ، وكانت حماتها طيبة معها ..
أما زوجها .. فقد كان شأنه شأن كافة شباب القرية الذين في سنه .. لا يحق لها أن تسأله أين يذهب ولماذا يتأخر؟؟؟ فهو معظم الوقت خارج المنزل .. له علاقاته الاجتماعية وجلساته هنا وهناك .. وفي آخر النهار يأتيها لينام معها على الرغم من الإنهاك الذي كانت تعاني منه نتيجة العمل المنزلي وفي الحقل ..
"ماكينة" رائعة بالنسبة لتلك الأسرة ولذلك الزوج .. تعمل ليلاً نهاراً .. أنجبت له أربعة أبناء ثلاث فتيات وصبي ..
وفي يوم أسود .. فقدت زوجها بحادث سيارة وتحولت بليلة وضحاها الى أرملة وهي في الثانية والعشرين من عمرها ..
أي ظلم وقسوة تلك .. فتاة في ريعان الشباب تزوجت وأنجبت وترملت ..
وخيرت بين أن " تذهب إلى بيت أهلها بدون أولادها .. أو تبقى في بيت أسرة زوجها وتربي أولادها وسيكونان لها خير والدين ".. هذا ما قاله لها عمها ..
لا خيار لها فأولادها صغار ولا يمكن تركهم .. ولا بد أن تتخلى عن شبابها ... لتكون أماً وأرملة وعاملة لدى أسرة زوجها ..
وتمر السنون ويكبر الأولاد برعاية جدهما .. ويكبر الجدين ... وتتحول تلك الطفلة الصغيرة الى أم ، ومربية ، وعاملة ، وممرضة للجدين !! ترعاهما وتعمل في النهار في المنزل و في الحقل وفي تصنيع المنتوجات كسابق عهدها .. وفي الليل تلملم بعضاً من انسانيتها لتنام بلا ترنيمة أو(هز) من كثر التعب !!.
تتزوج البنات .. ويتزوج ولدها الوحيد أيضا في سن مبكرة .. ويقطن في بيت العائلة .. وحيداً كأبيه وله كل أرزاق العائلة .. وتتحول هي إلى امرأة تقوم بواجباتها أمام أسرة زوجها واسرة أبنها .. وتشتغل في الحقل بنشاط وبطيب خاطر .. فلقد اعتادت العمل واعتادت على هذه الحياة وتأقلمت معها ..
كانت في كثير من الأحيان وللتفريج عن ذاتها ، تمرح متنقلة بين الجارات ضمن الحارة تسامرهن ، وتقضي وقتاً معهن عندما تنتهي من أعمالها .
أحبها الجميع فلقد كانت في منتهى الطيب والحماسة لمساعدة الآخرين .. لا تعرف النميمة وترفضها .. تشعرك على الرغم من جهلها بالقراءة والكتابة كما يجب ، بأنها امرأة صقلتها وعلمتها تجارب الحياة .. وتمتلك الكثير من الدماثة والتميز .
عائشة تعيش كل لحظة بيومها .. وتعمل جاهدة لأن تكون خير امرأة في أداء واجباتها الأسرية .. لم تكن قط تفكر بذاتها وبصحتها ، فمسؤولياتها كبيرة وتغاطيها عن آلامها أمر عادي ..أهملت صحتها .. ومع مرور السنين لم تكن تتذمر وتشكي من تلك الآلام الى أوقعتها بالمرض وازدادت أمراضها من الضغط الى الغدة .. وأخيرا القلب ..
عائشة تلك المرأة المضحية بصمت من أجل أولادها ، ومن أجل أن يقال عنها بأنها امرأة بنت أصول ... عائشة لم تعش طفولتها فلقد اقتلعت من أحضان أجمل أيام حياتها لترمى ضمن أسرة تعيد تشكيلها وفقاً لمقتضيات العمل الأسري ..
لم تستمتع بحياتها الزوجية مع رجل اعتبرها طفلة ، وغير مؤهلة لتكون زوجة حقيقية .. لم تستطع اتخاذ قرار بشأن أولادها ، فلقد تزوجوا كما تزوجت هي وفقا لرغبة جدهم وولي أمرهم ..
لم تستطع أن تكون سيدة البيت الذي دعمته بتعبها وعملها المتواصل ، حتى تأتي زوجة ابنها الوحيد بعد وفاة الجدين لتصبح هي سيدة البيت وراعيته رغماً عنها..
عائشة واحدة من آلاف النساء في مجتمعاتنا العربية ..
أي ظلم تعيشه نساؤنا مهما تنوعت أدوراهن .. أم .. وزوجة .. أخت .. منتجة وغير منتجة .. مثقفة .. وغير مثقفة ..
مجتمع يبخس المرأة أبسط حقوقها .. ويسلب رحيق أيامها وزهرة عمرها لخدمة غيرها بلا مقابل ولا تقدير غالباً !!
عالم ذكوري وأكثر من ذكوري وبامتياز !!

مها_الحلواني
شكرا لتعليقك