pregnancy

الوعي الانساني الجديد (12) بناء الثقافة الإنسانية والاجتماعية الجديدة المولدة لهذا الوعي.








الوعي الانساني الجديد  (12)

بناء الثقافة الإنسانية والاجتماعية الجديدة المولدة لهذا الوعي.
.................................................................

المعرفة أساس الثقافة فقبل أن يرقص الإنسان حول النار عرفها، ثم ابتكر طريقة استخدامها، أي الإشعال. إن التراكم المعرفي (الكمي) يقود إلى (تحول نوعي) أي إلى ظهور العنصر الثقافي.
وبالوقت عينه الثقافة هي الأساس المولد للوعي، فالوعي هو الفعل بمقتضى المعرفة والثقافة، أي أن الوعي هو التحرك العملي والفعلي للتغيير، وأي تنظير لا يقترن بفعل من نفس طبيعة المعرفة لا يعتبر وعيا، بل يعتبر ثقافة، وإذا كان الفعل أقل من مستوى الوعي فهو وعيا منقوصا. 
ولأن الثقافة بشقيها الفطري والأكاديمي الجسر الواصل بين المعرفة والوعي فإنها تمثل عمادا لأي تحرك مجتمعي أو سياسي يهدف للارتقاء بالانسانية فلا يمكن تجاهلها أو الاستخفاف بتأثيرها العميق على الفعل الانساني؛ فكما انه لا ثقافة بدون معرفة فكذلك لا وعي بدون ثقافة ومعرفة . 
إن الثقافة الإنسانية الجديدة هي المهيئ والحامل الطبيعي للوعي الإنساني الجديد. وفيما يلي استشرافات حول الثقافة الجديدة:

1.  ربانية الثقافة الجديدة. لا تقوم الثقافة الجديدة على الإلحاد ونكران الذات الإلهية الواحدة والموحدة لهذا الكون؛ ولكن يمكن للملحدين المتعمقين إنسانيا أن يساهموا في بناء الثقافة الجديدة نظريا وعمليا شريطة ألا يناصبوا الإيمان العداء؛ وبالمقابل لا يعادي المؤمنون المتنورون غير المتطرفون الملحدين الإنسانيين لأن ما يجمعهم هو الارتقاء بالإنسانية؛ ولا يفرضون معتقداتهم.

2.  اجتماعية الثقافة الجديدة. تقوم الثقافة الجديدة على المبدأ الاجتماعي الطبيعي، الذي ينطلق من كون الإنسان كائنا اجتماعيا، وهذه الاجتماعية تتمظهر بواسطة الانفعالات والنشاطات الطبيعية الأمنية والتزاوجية والاقتصادية؛ ومنها تنطلق الثقافة للمحافظة على اجتماعية الإنسان بالتركيز على التعاون الأمني والاقتصادي وعلى الزواج والأسرة وعلى العدالة الاجتماعية الاقتصادية وغيرها

3.  بيولوجية الثقافة الجديدة. يفترض أن تدافع الثقافة الجديدة عن حياة الإنسان وبقية الكائنات وتمنع تشويه الحياة أو تتزييفها، كما يفترض ألا تتناقض مع بيولوجيا الإنسان بوضع حلول ثقافية لا تتضارب مع الفهم القويم والجوهري للتعاليم الربانية وللمفهوم الإنساني النقي غيرالمشوب كذلك إن التطور البيولوجي للإنسان لابد وأن يكون طبيعيا وتاريخيا وألا يحمل أي تصنع.

4.  الإنماء المعرفي. لأن المعرفة هي الأساس فإن التطور المعرفي ضرورة ملحة للإنسانية شريطة ألا تتناقض مخرجات المعرفة مع التعاليم الربانية الجوهرية منها لا الشكلية أو الظاهرية، وألا تتناقض مع اجتماعية الإنسان وبيولوجيته؛ فالمعرفة التي ترمي إلى قتل البشر أو إفناءهم كالغوص في علوم الأسلحة والدمار هي معرفة باطلة وغير أخلاقية إلا إذا كانت دفاعا عن النفس ومبررة مجتمعيا.

5.  الإنماء الأخلاقي. من الضروري دعم السلوك الأخلاقي الصحيح محتمعيا، وعلاج حالة الازدواج الأخلاقي المتفشية، القائمة على التناقض بين القول والعمل. إن استناد الأخلاق إلى مرتكز إيماني يقوي من التماسك الأخلاقي للفرد، إلا أنه ليس بكاف، ولهذا يجب أن يقترن الإيمان بالتربية التفاعلية لا التلقينية. وبالأخلاقيين المتعلمين يمكن إعادة بناء المجتمع ومؤسساته وسياساته.
6.  النقد وتحفيز المجتمع. نقد الثقافة الجديدة للأوضاع السائدة يعني تهيئة المجتمع الواقع تحت الهيمنة أو الاستغلال أوالطغيان للتغيير الإيجابي؛ ويعني التهيئة لبناء مجتمع انساني راق يلتزم بالإيجابيات السابقة ويعترف بها دونما نفاق، ويذكر السلبيات دون مواربة أو إخفاء. وحينما تصبح الثورة ضرورة ملحة يتحول النقد إلى تحريض بهدف إحداث التغيير السلمي.

7.  المحافظة على الثوابت الإنسانية والوطنية. إن مهمة الحداثة لا تكمن في نسف الثوابت الأصيلة التي تتمثل بالدفاع عن حياة الأسرة والإنسان وحريته وكرامته والدفاع عن العدالة الاجتماعية والحقوق العامة للمجتمع، بل تكمن في تجديد الدعم لهذه الثوابت وإعادة إلقاء الضوء عليها وعلى أهميتها، بغرض تحقيقها إن كانت غائبة أو المحافظة على استمرارها إن كانت منجزة.

8.  مكافحة النمطية والشمولية. وهو من مهمات الثقافة الجديدة، لأن السقوط في النمطية أو الشمولية يعني الموت إن آجلا أو عاجلا؛ لكن يجب ألا يقودنا هذا إلى نظم شاذة ولو كانت اختيارية محدثة. إن أفضل طريقة لمكافحة هاتين الآفتين هو تأسيس واقع مجتمعي جديد على أسس فطرية. تنتج لنا بالمحصلة مجتمعا طبيعيا؛ ينمو باستمرار، أيضا بشكل طبيعي غير مصطنع.

9.  زرع الوعي المقاوم البنّاء. وهو ما يمثل المهمة الأساسية للثقافة الجديدة. بإقامة وعي مقاوم للتخلف والانحراف والفساد وكل أنواع الاستغلال والطغيان والقتل والتهميش والإذلال؛ وعي بان لروح معنوية إنسانية عالية، ولاقتصاد اجتماعي تعاوني، ولفن وأدب راقيين. إن الثقافة الإنسانية الجديدة هي الجسر لظهور الوعي الانساني الجديد الذي يمكن التعويل عليه لبناء عالم أفضل.

10.  الاتحاد الإنساني التعاوني. إن قدر العالم أن يتحد دونما نسخ ودونما طغيان أو إلغاء للأوطان والقوميات، وفكرة الاتحاد الإنساني التعاوني رغم التشابه إلا أنهاتعاكس فكرة العولمة التي يروج لها؛ ففي حين تقوم العولمة على الاستغلال والهيمنة والطغيان فإن الاتحاد الإنساني يقوم على التعاون واحترام الخصوصية وعلى الحرية الوطنية (غير الخارجة عن المعايير الانسانية)

11.  أدبيات الثقافة الجديدة. كل الأفكار والأدبيات المنسجمة مع الثقافة الجديدة يمكن أن تصب في معينها سواء كان هذا بقصد من الكاتب أو بدون قصد؛ قديمة أو حديثة،  فأي كتابة سابقة نزيهة ونقية داعمة للحياة أو للإنسانية هي أيضا تصب في معين الثقافة الجديدة، ومن حق المناضلون الاستلهام منها نضاليا حتى وإن كانت قديمة أو حديثة أو غير مقصودة.

12.  التحرك السياسي الحصيف. من الحكمة أن يشارك كل الانسانيون المؤمنون منهم والعلمانيون، في بناء الثقافة الجديدة والعمل لتكوين حراك سياسي متناغم متوازن وحكيم يهدف إلى تغيير أوضاع العالم، والانقلاب على الإمبريالية الصهيونية وأتباعها قبل تتمكن الأخيرة من سحق الإنسانية لتكون تحت السيطرة المطلقة والاستعباد المنحرف الذي لن ينجو منه أحد.

(تمت)

علي حسين  الحموي
شكرا لتعليقك