الوعي الانساني الجديد
(8) بناء الاقتصاد الاشتراكي التعاوني غير الشمولي
.................................................................
حين نتكلم عن التعاون والتعاونيات فنحن لا نتكلم عن فعل الخير ولا عن رومانسية العطاء نحن نتكلم عن المصلحة، مصلحة كل فرد وكل جماعة، فقد أثبتت الحياة أن الكائنات الحية المتعاونة بطريقة ما هي التي تمكنت من البقاء على قيد الحياة، وأن المجتمعات التي يسودها روح التعاون هي التي انتجبها التاريخ فبقيت رغم أعاصير الزمن تقاوم عوامل إنقراضها والقضاء عليها؛
وشعوبنا العربية هي من الشعوب المهددة فعلا بوجودها نظرا لعمق المكيدة واستفحالها في شراييننا. ولهذا فإن التعاون بشكل عام والتعاونيات الاقتصادية بشكل خاص ليس ضرورة وحسب بل هو طوق نجاة بكل ما للكلمة من معنى. ولهذا يفترض قيام نهضة تعاونية عربية نزيهة ومنظمة يساهم فيها الجميع بتأسيس ما يمكن أن نسميه بالشركات التعاونية تتجاوز نمط الإنتاج الرأسمالي تكون فيها المساهمة إما نقدية أو عينية أو بالعمل.
اليوم يشارك نحو مليار إنسان في التعاونيات وهو رقم مبشر لكننا لازلنا مختبئين خلف أصبعنا. لهذا يجب أن يزج الفكر التعاوني في جميع الدساتير العربية والقوانين الاقتصادية ليصبح جزءا لا يتجزأ من الحراك الشعبي المقونن.
حقيقة المجتمع التعاوني هو مجتمع جديد داخل مجتمع قديم يمكن أن يولد دون عنف أو مخاض كبير، كونه يحمل نواة فكرية واقتصادية باعثة للغد والمستقبل الذي يمكن أن نصنعه بأيدينا. وفيما يلي بعض الملاحظات الاستشرافية حول هذه القضية :
1. لفهم النظرية التعاونية لابد أن ندرك أولا أنها نظرية تجمع بين محاسن الرأسمالية وبين محاسن الأشتراكية التقليدية (التي عاصرناها في القرن الماضي) فهي من جهة تؤسس لشركة ربحية من ناحية الشكل حيث تبيع الجمعية (أو الشركة) التعاونية منتجاتها حسب أسعار السوق، لكنها من جهة اخرى توزع الأرباح المجنية بالعدالة النسبية (كل حسب جهده واستثماره) وتسمح للراغبين بتوظيف هذه الأرباح في مشاريع التطوير أو مشاريع جديدة اخرى. وفي حال لم يتمكن الأعضاء من ذلك تفتح باب المساهمة للجدد
2. (*) اعتماد الاقتصاد الاشتراكي التعاوني غير الشمولي كطريق لتحقيق العدالة الاقتصادية. والشمولي تعني هنا عدم السقوط في هاجس السلطة والتسلط بعقلية واحدة ومبدأ واحد على كل مناح ومرافق الحياة وتفكير كل المواطنين، فهذه التجربة أثبتت فشلها الذريع. لكنها بالمقابل لا تعني السقوط في الليبرالية المنفلتة من أي عقال. والصحيح أن الوعي التعاوني يقوم على الذهنية الاجتماعية فهو ينهل منها ويصب فيها في آن معا. كما أنه يقوم على العقل العلمي خصوصا وأن موضوعه هو الاقتصاد
3. يقوم المبدأ التعاوني على إقامة مؤسسة اقتصادية تتحقق فيها مايلي :
أ. نفي الربح بالنسبة للتعاونيين وتحقيق الربح على غير التعاونيين. كما توزع الأرباح على التعاونيين بما فيهم العمال والمستثمرين والإداريين كل حسب جهده واستثماره
ب. الإدارة التشاورية الديمقراطية للتعاونيات من قبل الحكماء والمشتغلين فيها وكذلك المستثمرين بحيث يملك كل شخص نقاط صوتية تتناسب مع عطائه أو حجم استثماره في المنشأة التعاونية . ج. يفتح باب العضوية الجديدة عند تطوير المنشأة
4. اختصاصات التعاون كثيرة ومن الممكن أن توازي التعاونيات الشركات الكبرى في الإنتاج وفي ضخامة التمويل. إن الحركة التعاونية الحقيقية قادرة أن ترحل صواريخ وسفن ذكية إلى الفضاء. والتعاونيات أنواع ابسطها الاستهلاكي وهناك تعاونيات إنتاجية وخدماتية، وأعقدها التعاونيات المصرفية والبحثية والتنموية. وعندما تنتشر التعاونيات تتكامل؛ "فتشتري التعاونيات الإستهلاكية بضاعتها من التعاونيات الإنتاجية والأخيرة تسعين بتعاونيات المهن والعمالة للحصول على الأيدي العاملة" (**)
5. رغم ان النشاط الخيري أو التطوعي مختلف عن النشاط التعاوني إلا أن اقتران العمل التعاوني بهذين النشاطين الخيري والتطوعي يشد من أزر النشاط التعاوني ويقويه خصوصا في البدايات وفي الأزمات ايضا، لهذا وجب هذا الاقتران، وذلك لتدريب الذات على العطاء وعلى الروح الجماعية وعلى ثقافة التعاون بحيث يكون الخوض في النشاطين شرطا للعضوية وللحصول على العمل في التعاونية؛
فالعائق الحقيقي أمام نشوء التعاونيات ليس عدم توفر التمويل بل فقدان الوعي التعاوني
(*) في المقال الأول من السلسة اقترح الأستاذ والصديق عمار يماني إضافة مصطلح غير الشمولي لإعطاء المعنى الدقيق للنظام التعاوني.
(**) سامح سعيد عبود/التعاونيات أداة للتحرر والتقدم
(يتبع)
علي حسين الحموي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء