pregnancy

مسرحية شعرية من ديواني (وطن تائه)





مسرحية شعرية من ديواني (وطن تائه)
.............................................................................
شرق  مدينة حماه هناك مدينة منسيّة خرج منها كبار الشعراء منهم بعصرنا الحديث الشاعر والمسرحيّ الراحل(محمد الماغوط) انها السلميّة على طرفها جلس التاريخ يسرِدُ للأجيال حكايةً حقيقيّة هي لِمَنْ يسمعُها أقربُ للأسطورة منها للواقع لأنها أشبَه بالمستحيل. حكايةٌ عنوانُها (قلعةٌ شميميس) بقيَت من الحكاية جدران وبئر ولكن أبطالها عَفا عنهم الزمان. أحدهم أمير القلعة وهو عموريٌّ من أسرة (شميسفرام) العربية أحبَّ ابنةَ ملك (أفاميا) الواقعة شمال غرب حماه حبّاً جمّاً وكان مهرها أن يسقي أهلها العطشى بالماء حيث كانت تنعم القلعة وجوارها بالسواقي والخصب فلبّى وأمَرَ بحفر بئر من أعلاها الى أسفلها ولتمتدّ قناةُ جرّ المياه لمسافة مائة وخمسين ميلاً تحت الأرض في السنة العاشرة بعد الميلاد. هذه الحكاية أسردها حوارا شعريا مسرحياً على وزن البحر الرمل :
(( الأمير سيد القلعة يحاوره خليلُه :
سيّدي يا أيُّها العاشقُ رِفْقاً بِفؤادٍ.. مُدْنَفٍ من عشْقِه يَبْلى ويذوي.
باسْمِها تلْهجُ أنفاسُكَ...انّي بُتُّ أخشى من هواكَ المُرِّ أَنْ يٌقصيكَ عن مُلْكٍ فتهوي.
الأمير(شمس) ضاحكاً:
انّني في العشْقِ أقوى.
هل تهاوى سُورُ حُصني تحت أقدامِ الهوى؟... انّي لَأزهو عند قرْعٍ لطبولِ العشق تعلو وتُدوّي..... اِنَّ موتي لَشَهيٌّ في وَغاهُ... اِنْ دَنَتْ منّي مناياهُ.... فأحْنِي الرّأسَ في ذُلٍّ لِتطوي.
خليل الأمير وهو يُبدي لهفةً:
اِرْحَمِ الروحَ أميري .. فعسى الآلهةُ الأعلى تُحامي عنكَ اِنّي لَأخافُ اليومَ ممّا أنتَ تنوي.
الأمير مُبدياً عدم اكتراث يُشيرُ بيده ويصيحُ آمِراً:
قُلْ لأهل القصرِ اِنّي عاشقٌ آراميّةً بِنتَ مَليكٍ حُبُّها في القلب يكوي.
أعلنوا في الغَدِ اِنّي راحلٌ حيثُ(أفامْيا) موطِنُ الحسناءِ ... اِنّي لِالتِماسِ القُرْبِ أنوي.
بعد مسيرِ يوم كامل يصلُ الأمير بموكبٍ كبير الى مملكة أفاميا وفي استقبالٍ مهيب يدخلُ بهوَ قصر ملِكِها الّذي يُرحّبُ به قائلاً:
جئتَنا يا شمسُ تقصدُ وِدَّا؟ أم تُريدُ الجُندَ حشدا؟
يردُّ عليه الأمير بتبجيلٍ كبير :
لا مليكي انّما لِابنتِكم جئْتُ بمالي راغِباً أطلُبُ يدّا.
الملكُ قائلاً:
قيلَ أحببتَ فتاتي وأنا أرضاكَ صهرا. انّما المهرُ عصيٌّ لستَ ممَنْ يتحدَّى.
الأمير شمس:
ما هو المهرُ فانّي عاشقٌ تلْقاهُ كالنيْزكِ يُحْصي أنجمَ الأفلاكِ عَدَّا....قُلْ: أُلبِّ الأمرَ من أجل رِضاها .. لا أرى من ذاكَ بُدَّا.
الملك يُظهرُ الأسى:
اِنّ شعبي يشتكي جدباً وقحطا. وأتاهُ الموتُ حصْدا..... فاسْقِهِ الماءَ فأنتم من بلادٍ مُدَّ فيها الخيرُ بين الأرض والأفْقِ مَدَّا. ...هوَ ذا المهرُ فاِنْ لَبَّيْتَ كنتَ الصّهرَ تحظى بابنتي ثمَّ يُزيلُ القُرْبُ حَدَّا.
يعودُ الأمير شمس الى قلعتِه ويُرحّبُ به خليلُه قائلاً:
مرحباَ يا سيّدي هل خابَ في الرّحلةِ مسْعاكْ؟
اِنَّ للهمِّ على وجهِكَ هالاتُهُ وهوَ جَليٌّ فيكَ واِنْ وارتْهُ عيناكْ.
الأمير يردُّ:
هوَ مهرٌ لائِقٌ بابنةِ قصرٍ.. انّني من أجلها سوف أسْقي شعبَها بالماءوما أعْدُلُ عن ذاكْ.
جِئْ بِمَنْ في العلمِ أرْضاكْ.ولْتكُنْ بئرُ مياه القصرِ كَفّاً لِمُحبٍّ سوف يطوي السّهلَ والجِرْدَ ... لِتروي خافِقاً لي دمُهُ منّي ولكنْ نبْضُه باتَ هناكْ.
فابدؤا حفرَ قناةٍ من هنا حتّى (أفامْيا) ولْتكنْ تخليدَ حبٍّ راسِخٍ ما بين أفلاكْ.
يذكرُ التاريخُ فيه نبعَ حبٍّ عُمقُه الأرضُ ولكنْ سُقْيَهُ كلُّ لُهاةٍ جَفَّتِ الروحُ بها
فارْتوتِ الحبَّ سبيلاً ... يأخُذُ الفائِضَ من هذا ثمّ يُعطي منه ذاكْ.
قُلْ خليليْ هلْ يُجافي الرُّشْدُ مولاكْ.؟
يُسْدلُ السّتار على أنبَل مهر عاشق في التاريخ. ولكن يذكر التاريخ أنّ شعب (أفاميا) لم يشرب من البئر الّا بعد عشرات السنين في عهد الامبراطور الروماني( تراجان).

أ.حسان الساروت
شكرا لتعليقك