pregnancy

خواء روحي



خواء روحي
................................................................................................................................................................


الله. كثير منا أصبح يجهل هذا الاسم أو أصبح يخافه. فثمة من نصب نفسه متحدثا باسم الله، وهذا أمر آخر. كثير ابتعد ليس لأنه لا يعرف أن الله حق، بل خشية أن تكرس الجريمة بأسم الله فبقي حبه لله تعالى سرا لا يرغب أن يعلنه.
وآخرون وجدوا أن الله تعالى عما يصفون أصبح (موضة قديمة) ولا تجاري العصر؛ يرون أن الدين الجديد يكمن في الأفكار الجديدة، وأنه كما أن الأجيال القديمة كان لها فكرها ومعتقدها فإن من حق الجيل الجديد أن يكون له عقيدته وفكره الجديد ولتكن مثلا الليبرالية المحدثة أو الديمقراطية أو حتى اللاعقيدة. 

ولكن ماذا لو كان الله يخاطبنا بأيامنا ؟
أو بالقدر ؟ 
فحينما ننحدر بأفكارنا ونوايانا وسلوكنا سرعان ما يرتد علينا بمشاعر قاسية تحرقنا من الداخل وأقدار قاسية تتناسب مع قسوتنا أصلا.
 لقد لاحظ العلمانيون غير المؤمنين ذلك ففسروه ب (الكارما) التي تعود بأصولها إلى البوذية والهندوسية والتي تقول بأن أي فعل أو قول تصدره إيجابيا كان أم سلبيا سيرتد إليك كونيا من نفس الجنس، ولو بعد حين.
كل هذا محاولة للالتفاف حول فكرة الله واعتبارها ضربا من التخريف حتى إن كان ذلك بالاستنجاد بديانات أخرى أقدم. 
لسنا هنا في معرض الإثبات عن وجود الله بل الإثبات عن وجودنا نحن كمؤمنين؛ وإن كانت الديانات مفاتيح إغلاق أمام الفكر الإنساني أم هي مفاتيح إغلاق؟
ألا يحق للمؤمن من غير ديانة التعبير عن رأيه وتصوره لله أوللدين ؟ وهل يرضى الله تعالى بهذا؟ لنكن صريحين أن فتح هذا الباب على مصراعيه ينذر بظهور ديانات ارضية كثيرة وعجيبة وفلسفات ركيكة و (أنبياء) كذبة كثر . ولكن إغلاق باب الفكر الإيماني غير النمطي أيضا وبشكل كلي لا يؤدي بالنهاية إلا إلى الانغلاق والمغالاة وانعدام الإبداع ومن ثم إلى التخلف والتكفير . هنا يمكن إيلاء الفكر اللاهوتي غير النمطي وغير الديني اهتماما اذا لم يكن متعارضا مع الأساسيات الربانية-الإنسانية اي أنه لم يقر بالقضايا المؤذية للإنسان والأسرة، مثل القتل والاباحية والسرقة والغش والكذب والخيانة.
وعلى الضفة الأخرى كلنا يعرف كيف يتحكم رجال الدين بالدين نفسه وبعقول الناس المتدينيين، فحينما أصبح الدين ظاهرة اجتماعية تطلب الأمر القيادة كأي ظاهرة اجتماعية أخرى، وحجم الطلب على رجال الدين تباين عن العرض، فتنطح الفارغون  منهم إما لتغطية النقص الحاصل في العرض؛ أو لإظهار التميز والشذوذ في حالة الوفرة، كيما يقع عليه الخيار المجتمعي ويحظى بالشهرة والكسب المادي والمعنوي، فارتفعت المزايدات وكثرت الفتاوى الغريبة للفت الانتباه واستقطاب الجمهور؛ وشجعت السلطة السياسية هذه التجارة الرابحة طالما يؤدي رجل العلم مؤداه من النفاق السياسي وإلهاء عامة الشعب بقضايا سخيفة ظاهرية بعيدة عن أي مضمون وفحوى.
أمام هذا الوضع المقعر أصبح الإيمان الذي يقع موضوعيا بين الظن واليقين أصبح مغامرة عقلية لا يؤمن خواتمها مع هؤلاء التجار خصوصا عندما أطل الإمبريالي الصهيوني متعهدا بالاستثمار سياسيا وتاريخيا بالدين، من خلال ضرب المنطقة بأكملها بمنظومتها المعنوية المتمثلة بالقومية العربية والدين الإسلامي والمسيحي (بالتهجير) وادى هذا إلى كوارث وطنية حقيقية قادت إلى خروج الكثيرين من عباءة الدين أفواجا أفواجا، وآخرون أصبحوا يخجلون من إظهار إيمانهم مع ما يشوبه من تزوير وتحريف خرافي عمد طوال عقود على إلحاقه بالذهنية الدينية. 
كل هذا جعلنا أمام خواء روحي حقيقي فمن المؤمنين  الظاهريين، إلى المؤمنين مع كثير من الشوائب والخرافات، إلى العلماء الذين جلهم متاجر بالدين، إلى المتطرفين المكفرين، إلى المؤمنين السطحيين المشككين، إلى العلمانيين اللادينيين الناكرين. ما يجعلنا أمام حقيقة لا تبشر بالخير، وهي أن كياننا المعنوي الجمعي في حالة انهيار حقيقي وهذا يعني ضرورة إعادة النظر بطرقاتنا وطرقنا الفردية والجماعية، وأهمية مراجعة ما اعتدنا عليه نقدا أو ولاء" فقد نكتشف أننا ذاتيا أو موضوعيا في الطريق الخاطيء،  حينها فقط قد نتمكن من الخطوة الأولى، من تلمس وجودنا ومن ثم الصواب.

علي حسين الحموي
شكرا لتعليقك