خاتم من ذهب
.......................................................................................
اتصل بي هاتفياً في التسعينيات من القرن الماضي مسؤول في حلب..وبعد السلام والاطمئنان أن كل شيء يسير على مايرام...طلب مني راجياً أن أستقبل فتاة في منزلي لتشرح لي قضية أو مشكلة تخصها في الجامعة...حيث كنت أدرس بجامعة حلب في تلك الآونة...قلت له لماذا لا تمر الى مكتبي في الكلية...فمغمغ وفلسف ذريعة أهمية المرور للبيت والتعرف أيضاً على زوجتي...كي تكون مرتاحة في شرح قضيتها...
وأردف أنها ابنة شهيد...ونتيجة الإلحاح..قبلتُ وتم تحديد موعد للزيارة في اليوم التالي حوالي الساعة الثانية عشرة ظهراً وكان يوم جمعة. رن جرس البيت...استقبلتها زوجتي وجلسنا نتبادل أطراف الحديث بعد أن أعطتني لمحة مختصرة عن سيرة حياتها...وأنها البنت الكبرى في أسرتها وقد استشهد والدها...وأنا أتلهف بشوق لأعرف قضيتها أو مشكلتها، وما أهمية دوري لحل القضية...
وأخيراً علمت أنها طالبة في الكلية وتحمل عدة مواد(مقررات) وهناك مقرر أدرّسه...المهم باختصار المشكلة كيف ستنجح في المقرر الذي أدرّسه؟!! قدمنا لها القهوة والضيافة المرافقة حسب الأتاكيت الحلبي(حبة شوكولا،ملبس،نوكا أو دروبس)...وعدتُها أن أخصص لها أسبوعياً ساعة لمراجعة المقرر وحل الاسئلة الصعبة وأسئلة الدورات السابقة...تكريماً لأبيها الشهيد و...ارتاحتْ...
وقبل أن تهم بالخروج، دخل الغرفة ابني وكان آنذاك في الصف الرابع الابتدائي...فتحتْ محفظتها وأعطتْه قطعة شوكولا...وأخذتْ ضيافتها وودعت بأدب على أمل أن تزورني في اليوم التالي في مكتبي...
فرح طفلي بالشوكولا...وماهي إلا دقائق... حاول أكلها بعد تقشيرها...يفاجأ الطفل بأن داخلها علبة بلاستيكية تحوي بداخلها خاتماً ذهبياً...والحق يقال كان الخاتم جميلاً وبرّاقاً..ويؤثر في بعض النفوس ..ارتبك الطفل لأنه يريد الشوكولا...ولايريد علبة...ولا معدناً أصفراً براقاً...أعلمتني زوجتي بفحوى ما حدث...وضحكنا...ولكن تألمتُ...تأثّرتُ...وصُدمتُ ولم أقدر على تناول الغداء..
طلبت من زوجتي أن تعيد تغليفها بنفس الطريقة والشكل لتبدو كما كانت.. حبة شوكولا...ووضعتها في محفظتي...
في اليوم التالي...أتتْ إلى مكتبي...شكرتني على استقبالي لها في منزلي...أين دفاترك و كتبك الخاصة بالمقرر...؟ تبيّن أنه لا يوجد معها أي أوراق أو نوط..وقبل أن تخرج من مكتبي على أمل العودة بعد بضعة أيام...بادرتها :عفواً يا آنسة...الشوكولا التي أعطيتها لطفلي أحبها جداً فهي لذيذة المذاق وطلب مني أن أسالك أن تحضري له واحد كيلو غرام منها...ارتبكت الطالبة...تلعثمت...احمرت وجنتاها...
عفواً دكتور!!...لا تؤاخذني أحببت أن أقدم هدية لك... أجبتها هدية؟!عربون ماذا؟...ناولتها حبة الشوكولا مغلفة بنفس الطريقة...وقلت لها... خذي الخاتم واستردي ثمنه...وأنفقي على أهلك...ماهكذا تورد الإبل وليست كل لحوم الطيور تؤكل بنفس الطريقة وخاصة الطيور الجارحة لا يؤكل لحمها أبداً...
زاد رعبها وخوفها...هدّأتُ من خوفها وقلت لها...رغم خطأك الكبير...لكن مع ذلك واحتراماً لشهادة أبيك ووعدي لك...فأنا عند وعدي أن أتابع تدريسك حتى تنتهي من المقرّر...
اعتذرتْ...بكتْ...تأسفتْ...غادرتْ ولم تعد اطلاقاً إلى مكتبي...
وكلما رأتني في ممرات الكلية أطرقت خجلاً...علمت لاحقاً بعد بضع سنين أنها تخرجت..!!
وقد لا أستبعد أن أراها يوماً ما تتبوأ منصباً حكومياً رفيعاً ، فتصوروا يا رعاكم الله...!!
طابت اوقاتكم...مع تحياتي
١٥ حزيران ٢٠١٥
نور الدين منى
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء