pregnancy

مدرســـة الشـعر الســوري






مدرســـة الشـعر الســوري 
.......................................................................................



من ميلياغروس_الجدري_السوري, إلى الماغوط_السلاميسي_السوري امتدادّ زماني شاسع وكأنه البارحة وامتداد مكاني يمسح مسافات تخترق العمق الجغرافي السوري من ركن في جنوبه إلى آخر في شماله وكأنهما على مرمى النظر أحدهما من الآخر..
فهل بدلت الحقب الزمنية التي فصلت بألفين من الأعوام ونيف بين السلف والخلف من أصالة الانتماء وعبقرية الفكر؟ أقدم في هذه المحاضرة مقاربة ثقافية خاصة لمفهوم الجاهلية في الشعر مدعيا أن الثقافة السورية لم تعرف الجاهلية, وبالتالي فإن الشعر وسائر الفنون الأخرى لم تخرج عن حدود القيم الإنسانية الخالدة التي تمجد الحياة وتتمسك بالحب وقدسية الجمال إماما ونبراساً لها...‏
ولد الشاعر ميلياغروس الشاعر السوري المثقف في مدينة جادارا السورية التي توجد في الزاوية الشمالية الغربية من الأردن من أم سورية ومن أب يدعى أوقراطس مواطن سوري من أصل يوناني ...‏
تربى على فلسفة تدعو إلى المحبة بين البشر مهما اختلف عرقه و لغته,وكان يجيد ثلاث لغات: اليونانية والآرامية والفينيقية, وكان يلم باللاتينية, ارتحل في شبابه إلى مدينة صور في لبنان ثم توجه إلى اليونان وقضى شيخوخته حتى عمر الثمانين في جزيرة «كوس».‏
وقبل أن يموت أوصى بكتابة هذه القصيدة على شاهد قبره باللغة الآرامية وخاطب العابر قرب قبره:‏
أيها العابر من هنا لا تخف من مرورك‏
بين أجداث الموت المقدسين‏
فإذا كنت سورياً, أيها العابر‏
فقل عند قبري: سلام‏
وإن كنت فينيقيا قل: أودوني..‏
وقد وصفه النقاد الأوربيون بـ «رائد المدرسة السورية في الشعر».‏
أما الشاعر السوري ارخياس فكان نحويا وسياسيا ولد في إنطاكية وسافر إلى روما ليتابع علومه, وله الكثير من الشعر المحفوظ باللغتين اليونانية واللاتينية, نظم أشعاراً في الحب والمديح وفلسفة الموت.‏
كان قبر الشاعرة بيليتيس السورية الفينيقية في العصر الهلنستي هو المصدر شبه الوحيد من شعرها وحياتها, نلمس في إحدى قصائدها شعور الأنثى الحقيقي, قلقها تمسكها بطاقة الشباب وشعلة الحب قبل أن تنطفئ كأنها سيدة من القرن العشرين.‏
وهذا جبران خليل جبران الذي حمل معه طبيعة سورية إلى المغترب وعبر في شعره عن كروم لبنان السوري وضوء وروحانية الوطن السوري عندما تغدو الموسيقا خير صلاة:‏
هل اتخذت الغاب مثلي.. منزلاً دون القصور..‏
فتتبعت السواقي.. وتسلقت الصخور‏
محمد الماغوط «لو كانت الحرية ثلجاً لنمت في العراء» يقول نزار قباني للماغوط: «أنت يا محمد, أصدقنا.. أصدق شعراء جيلنا.. كان حزنك وتشاؤمك أصيلين.. وكان تفاؤلنا وانبهارنا بالعالم خادعاً» ويخاطب الماغوط مدينته المهملة سلمية بقصيدة:‏
سلمية.. الطفلة التي تعثرت بطرف أوروبا..‏
وهي تلهو بأقراطها الفاطمية..‏
يحدها من الشمال الرعب‏
ومن الجنوب الحزن.. ومن الشرق الغبار..‏
ومن الغرب الأطلال والغربان.. حزينة أبداً..‏
وقد أتى الماغوط بنص يغاير مشهد القصيدة العربية بشكل عام من حيث الصور الشعرية والمنطق في القصيدة والمقابلات في الألفاظ لتشكيل المعنى النهائي تحمل ارث الثقافة السورية ببساطة التعبير والانعتاق من موسيقا الشعر الخارجية التي كانت ستشوش على موسيقاه الداخلية.‏
وختاما لا يمكن لنا إهمال الإضافات التي قدمتها جميع الثقافات الوافدة إلى الحضارة السورية العريقة,وإن البصمة السورية في الآداب والفنون ظلت باقية وإن اللغة لم تكن سوى حاملاً للأدب ووسيلة للتعبير والسوريون أبدعوا بالآرامية واليونانية واللاتينية وأخيرا بالعربية.‏

من محاضراته تحت عنوان «مدرسة الشعر السوري» 

الدكتور نزيه

شكرا لتعليقك