pregnancy

تقرير كامبل بنرمان




تقرير كامبل بنرمان
.......................................................................................
منذ أن كانت بريطانيا تتزعم النظام الاستعماري كان الصراع بين الجماهير العربية التواقة إلى التحرر والوحدة، وبين الاستعمار البريطاني بكل ما يمثله من قوى ورموز وأدوات وأساليب. لقد ضربت بريطانيا محاولة محمد علي في إقامة دولة عربية مركزية وقوية ومتطورة، وضربت الثورة العربية التي حاول إقامتها الشريف حسين وغدرت بها وسحقتها في المهد. وإن من ينظر، قبل ذلك كله، إلى التقرير الذي وضعته اللجنة التي شكلها كامبل بنرمان رئيس وزراء بريطانيا عام 1907 من أجل الحصول على جواب للمسألة الأساسية التي تقض مضجع بريطانيا الاستعمارية: وهي كيف يمكن الحؤول دون سقوط الإمبراطوريات الاستعمارية، لن يبق بحاجة إلى أي شيء آخر من أجل الكشف عن حقيقة وجوهر هذا الصراع الذي لم يكن خلق الكيان الصهيوني وزرعه في قلب الوطن العربي إلا أحد أسلحته الفعالة.
يقول التقرير:
(إن الخطر المهدد يكمن في البحر المتوسط، صلة الوصل بين الشرق والغرب وفي حوضه مهد الديانات والحضارات، وفي شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه أخصّ. فعلى طول ساحله الجنوبي من الرباط إلى غزة، وعلى الساحل الشرقي من غزة حتى مرسين وأضنة، وعلى الجسر البحري الضيق الذي يصل آسيا بإفريقيا وتمر فيه قناة السويس شريان حياة أوروبا، وعلى جانب البحر الأحمر، وعلى ساحلي الهندي وبحر العرب وحتى خليج البصرة،حيث الطريق إلى الهند والإمبراطوريات الاستعمارية في الشرق.

في هذه البقعة الشاسعة الحساسة يعيش شعب واحد تتوفر له من وحدة تاريخه ودينه ووحدة لسانه وأصالته كل مقومات المجتمع والترابط والاتحاد وتتوفر في نزعاته التحررية وفي ثرواته الطبيعية، ومن كثرة تناسله، كل أسباب القوة والتحرر  والنهوض. كيف يمكن أن يكون وضع هذه المنطقة إذا توحدت فعلاً آمال شعبها وأهدافه، و إذا اتجهت هذه القوة كلها في اتجاه واحد؟ ماذا لو دخلت الوسائل الفنية الحديثة، ومكتسبات الثورة الصناعية الأوروبية إلى هذه المنطقة؟ ماذا يمكن لو انتشر التعليم وعممت الثقافة في أوساط هذا الشعب، ماذا سيكون إذا تحركت هذه المنطقة واستغلت ثرواتها الطبيعية من قبل أهلها ... عند ذلك ستحل الضربة القاضية بالإمبراطورية الاستعمارية وعندها ستتبخر أحلام الاستعمار بالخلود، تقطع أوصاله، ثم يضمحل وينهار كما انهارت إمبراطوريات الرومان والإغريق. 

إن الخطر على كيان الإمبراطوريات الاستعمارية كامن في الدرجة الأولى في هذه المنطقة في تجمعها واتحادها حول عقيدة واحدة، وهدف واحد، فعلى كل الدول ذات المصلحة المشتركة أن تعمل على استمرار وضع المنطقة المجزأ المتأخر، وعلى إبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وجهل وتأخر وتناحر وكوسيلة أساسية مستعجلة لدرء الخطر يجب العمل على فصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن جزئها الآسيوي، وذلك بإقامة حاجز قوي غريب على الجسر البري الذي يربط آسيا بإفريقيا،ويربطهما معاً بالبحر المتوسط، بحيث يشكل في هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار، وعدوة لسكان المنطقة). 

إن هذا التقرير يكشف حقيقة وجوهر وأطراف الصراع. و إن ما يسميه البعض اليوم بالصراع العربي – الإسرائيلي إنما هو في حقيقته كالصراع بين الجسد ورأس الحربة، إذا ما صرف النظر عن جسم الحربة ككل وعن كل من يقف خلف الحربة ويمسك بها ويدفعها بقوة إلى داخل الجسد.

وإن تقزيم هذا الصراع وجعله عربياً - إسرائيلياً  فقط إنما هو تقزيم للنضال العربي، وحرف له عن توجهه الصحيح، وتغطية للأطراف الاستعمارية والإمبريالية الرئيسية، وخلق ستار من الدخان على أدوارها وتحركاتها وتضليل الجماهير العربية عن أهداف نضالها وعن أعدائها الرئيسيين والحقيقيين، وتهويل فيه الكثير من المبالغة للعدو الصهيوني.
إن على كل منا أن يدرك أن جميع الحروب والمعارك التي خاضتها جماهير شعبنا العربي ضد الكيان الصهيوني، منذ بداية زرعه وحتى اليوم، إنما كانت في حقيقتها حرباً مباشرة مع الدول الاستعمارية ذاتها التي أوجدت هذا الكيان المصطنع، وتكفلت بحمايته وتقويته والدفاع عنه. 
إن حديد الحربة الإسرائيلية إنما كان حديداً بريطانياً ثم صار أمريكياً، وإن التفوق الإسرائيلي ليس إلا تفوقاً بريطانياً ثم تفوقاً أمريكياً، أكان ذلك بالعتاد أم بالسلاح أم بالرجال.

المصدر: تاريخ سوريا القديم – تصحيح و تحرير – الدكتور أحمد_داوود. 

دار نينورتا : 
http://www.ahmad-daoud.com/book7.html

دار قرطبة (نسخة إلكترونية) : 
http://www.qordoba.com/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85_%D8%AA%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D8%AD_%D9%88%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1
شكرا لتعليقك