pregnancy

الدولة السلجوقية(٤)




  الدولة السلجوقية   (٤)  
          .......................................................................................

الحرب مع البيزنطيين
سلاجقة الروم

رسم يُظهر معركة ملاذكرد العظيمة بين السلاجقة والبيزنطيين في عام 463 هـ.

كان مسير طغرل بك إلى أذربيجان عام 446 هـ من أولى غزوات السلاجقة في بلاد البيزنطيين. عندما وصل طغرل إلى مدينةتبريز أطاعه حاكمها وخطب له وقدم له الهدايا، فتركه حاكماً لها وتابع سيره إلىأرمينيا، فوصل إلى ملاذكر فحاصرها ونهب ما حولها، لكنها كانت مدينة حصينة فطال حصارها حتى حل الشتاء، فعاد إلى الري وكان يُريد متابعة الحصار بعد انتهاء الشتاء، لكنه اضطر عام 447 هـ للعودة إلى العراق وفتح بغداد فلم يُتابع غزوته، ويُقال أن طغرلاً نهب وقتل مقداراً عظيماً من الروم خلال غزوته هذه.

في عام 449 هـ نهب السلاجقة ملطيةوهزموا قربها القائد البيزنطي " فيلاريتوس"، بينما غزا جيش آخر لهم مدينةقونية والإمبراطور البيزنطي عاجز عن ردعهم. وقد قام ألب أرسلان أيضاً بحملة على أذربيجان وأرمينيا سنة 456 هـ. لكن في عام 462 هـ سار الإمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع ديوجين جنوباً إلى الشام بعد أن بدأ يُحس بتهديد السلاجقة لإمبراطوريته، فاستولى على مدينة مَنْبج ونهبها وقتل الكثير من سكانها، وهزم صالح بن مرداس وجيوش العرب التي معه. ثم أقام في "أرتح" شرق أنطاكية، لكن اضطر بعد ذلك بسبب الجوع وقلة الغذاء المتوفر للجيش إلى أن يَعود إلىأرمينيا في بلاده.

لم يَكتفي الإمبراطور البيزنطي - رومانوس الرابع - بحملته السابقة التي اضطر لإيقافها قبل أن يَنتهي من غزوه، ولذا فقد سار عام 463 هـ مع جمع عظيم من الروم البيزنطيين والفرنج والروس والكرج يُقال أن عددهم وصل إلى مئتي ألف، فوصل إلى منطقة قرب مدينة ملاذكر. وفي هذه الأثناء كان السلطان السلجوقي ألب أرسلان يُقيم في أذربيجان، ووصل إليه نبأ الجيش البيزنطي الضخم الذي يَتوجه إلى دولته، فحاول جمع عدد من الجنود بسرعة لكنه لم يَستطع، فسار على عجلة من أمره مع ما يَملك من عساكر (والذين بلغ عددهم 15 ألفاً) باتجاه ملاذكر وأرسل زوجته مع وزيره نظام الملك إلى همذان. وعندما اقترب ألب أرسلان من موقع المعركة أرسل فرقة من الجنود تتقدم الجيش، فالتقت مع فرقة مقدمة جيش البيزنطيين التي بلغ عدد جنودها 10 آلاف، فتقاتلتا وانتصرت فرقة السلاجقة. وعندما التقى الجيشان أرسل أرسلان إلى ملك البيزنطيين يَطلب منه المهادنة، لكنه رد بأنه "لا مهادنة إلا بالري"، فانتظر السلطان حتى جاء يوم الجمعة عندما يَدعو الخطباء بالنصر على المنابر وبدأ القتال. واستطاع السلاجقة محاصرة جيش البيزنطيين وهزمهم، وكانت من أعظم المعارك في تاريخ دولة السلاجقة، وقد سُميت بمعركة ملاذكرد. وأدى هذا النصر إلى اكتساح السلاجقة لمعظم باقي الأناضول، وإلى هزيمة البيزنطيين وعجزهم عن مقاومة المد السلجوقي بعد ذلك، وقد ترتب عليه صلح وضعه ألب أرسلان تتوقف الحرب بومجبه لخمسين عاماً ويُطلق جميع أسرى المسلمين في بلاد الروم ويَمد البيزنطيون جيوش السلاجقة بالجنود متى احتاجوا ذلك. وبعد هذه المعركة اجتاح السلاجقة تركيا حتى قاربوا حدود القسطنطينية، فارتعد الإمبراطور البيزنطي وطلب العون من البابا المسيحي، ولاحقاً قام هذا الإمبراطور بدعم الحملة الصليبية الأولى لحماية إمبراطوريته.وربما كانت أهم نتائج تلك المعركة استقرار السلاجقة في أرض الأناضول وتأسيسهم لسلطنة سلاجقة الروم.

الحروب الصليبية

الحملة الصليبية الثانية

في عام 490 هـ (1097 م) اجتمعت أربع جيوش أوروبية في الأناضول بهدف غزو الشرق الأدنى وأخذه من المسلمين، وقد دعمهم الإمبراطور البيزنطي بالمؤن والمساعدات وبعض المدد العسكري حتى لكي يَطردوا السلاجقة من المنطقة، وأجبر ثلاثة من قواد الجيوش الأربعة على حلف اليمين له بأن يُعطوه جميع الأراضي التي يَستعيدونها من السلاجقة لأنها كانت تابعة له في السابق. بعد ذلك سارت الجيوش التي قُدر عدد جنوها بزهاء 300 ألف جنوباً وحاصرت مدينة نيقية(عاصمة سلاجقة الروم وأهم مدنهم)، فاستنجد أهلها بالسلطان السلجوقي قلج أرسلان الذي كان يُحاصر ملطية، فتركها وسار بسرعة لإنقاذ المدينة، لكنه اصطدم بجيش صليبي متأخر عن بقية الجيوش أثناء طريقه واقتتلا في معركة شديدة، ووصل المدد إلى الصليبيين من الجيوش التي كانت تحاصر نيقية فانهزم السلاجقة وانسحبوا. اضطر قلج أرسلان للاستسلام لمصير نيقية بعد هذه المعركة، فتركها وسار بعيداً عنها، وسقطت في أيدي الصليبيين بعد مدة قصيرة، وقد توجه بعد ذلك إلى الدانشمنديين (دويلة أخرى انفصلت عن السلاجقة كانت في نزاع مع سلاجقة الروم) وعقد الصلح معهم مؤقتاً للتعاون على مقاومة الصليبيين الذين يُهددون كليهما، فاجتمعت قوى الأتراك في الأناضول وسارت معاً إلى سهول دوريليوم لمقاومة الصليبيين وصدهم.

في البداية لم يَتقدم إلى السهول للقتال سوى جيش واحد من جيوش الصليبيين، ولذا فقد ظن المسلمون أنه هو كامل قوات الصليبيين الموجودة في المنطقة، فبدؤوا القتال وأملوا النصر واقتربوا منه، لكن فجأة ظهر جيشان صليبيان آخران (كانت قد وصلتهم أخبار المعركة في اليوم السابق) والتحما في المعركة فقلبا مجريات الأمور وانهزم المسلمون وخسروا المعركة، وهرب قلج أرسلان تاركاً وراءه الكثير من الغنائم للصلبيين، وبعد هذه المعركة توقف عن قتالهم المباشر واستمر بالانسحاب وإخلاء المدن في المنطقة، فاكتسحها الصليبيون بكل سهولة معيدين أراض ضخمة إلى الإمبراطورية البيزنطية، وكانت هذه الموقعة التي حسمت الصراع السلجوقي-الصليبي في الأناضول هيمعركة دوريليوم.سار الصليبيون بعد هذه المعركة باتجاه الشام (وهي الجزء الأهم من غزوتهم)، فاستغرقت رحلتهم أربعة شهور عبر الأناضول ثم قرب الشام، عانوا خلالها من الحرارة والجوع وقلة المؤن، وعندما وصلوا أخيراً إلى أرض الشام غزوا مدينة قونيةوملكوها (والتي كان السلاجقة قد جعلوها عاصمتهم الجديدة بعد سقوط نيقية) ثمهرقلة ثم اتجهوا إلى أنطاكية التي أصبحت هدفهم الجديد، وملكوا في طريقهم قيصرية وطرسوس وأضنة (بمساعدة من الأرمن المسيحيين في هذه المدن الذين رحبوا بقدوم الصليبيين) وهزموا عدة جيوش صغيرة للسلاجقة، واجتاحوا الرها أيضاً وأسسوا فيها إمارتهم الأولى، وقد هاجم قائد صليبي أثناء المسيرة مدينة سميساط وطرد منها الحامية التركية بمساعدة سكانها الأرمن، لكن سرعان ما عادت الحامية وباغتتهم فقتلت من الأرمن زهاء الألف رجل وبعض فرسان الصليبيين، ومع هذا فقد استعادوا المدينة لاحقاً وطرد منها الأتراك وقتل قائدهم. وفي الأثناء التي دارت فيها هذه المناوشات بين فرق من الجيش الصليبي، كان الجيش الصليبي قد وصل أنطاكية بعد مسيرة أربعة شهور، فحاصرها لكنها كانت منيعة وذات أسوار عالية فطال حصارها وصمدت، مما تسبب بانخفاض معنويات الصليبيين وحماسهم، لكن القساوسة المسيحيين نجحوا برفع معنويات الجنود من جديد،ومع استمرار إمدادات الصليبيين ومؤنهم فقد أطالوا الحصار وأنهكوا المدينة، وفي النهاية استطاعوا اقتحامها عام 491 هـ ونهبوها وخربوها وقتلوا الكثير من أهلها، وبذلك سقطت أنطاكية (إحدى أقوى مدن المشرق) في أيدي الصليبيين. ولاحقاً حاول المسلمون حصار أنطاكية واستعادتها لكنهم فشلوا، وسرعان ما سقطت القدس أيضاً، فأسس الصليبيون بهذا ثلاث إمارات ومملكة واحدة في الشرق الأدنى (علاوة على اجتياحاتهم الضخمة في الأناضول)، وهي:إمارة الرها وأنطاكية وطرابلس إضافة إلىمملكة بيت المقدس.

بعد تأسيس الصليبيين لدويلاتهم الأربع، حشد "كمشتكين بن الدانشمند" (الحاكم الداشمندي) بمعونة أمير سلاجقة الروم جيشاً جديداً لملاقاة الصليبيين وسار به إلى أمير أنطاكية المدعو "بوهمند" الذي كان يَغزو أحد الحصون، وعندما علم بوهمند بالأمر عاد بسرعة إلى أنطاكية وجمع جيشاً ضخم لقتال الأتراك، وسار به إليهم فاقتتلا في معركة شديدة عام 493 هـ هُزم فيها الصليبيون واستطاع الأتراك أسر الأمير الأنطاكي بوهمند وقتل الكثير من جنوده. وبعد بضعة شهور من ذلك انطلقت الحملة الصليبية لعام 1101، وكانت هي الأخرى مؤلفة من أربعة جيوش تحركت في ثلاثة أقسام، كان أحدها يَضم جيشين من الجيوش الأربع والذين يَتألفان بشكل أساسي من اللومبارديين، وقد أصرّ جنود هذا الجيش على السير شرقاً لتحرير بوهمند من الأتراك قبل متابعة السير إلى الجنوب، ومع أن القسم الآخر من الجيش حاول إقناع اللومبارديين بعدم فعل ذلك إلا أنهم أصرّوا وكادوا يُعلنون العصيان فسار الجيش إلى الشرق حتى وصل أنقرة وملكها، فأسرع الأتراك من سلاجقة ودانشمنديين بالاتحاد معاً والسير إلى الصليبيين، ودخلوا معهم في عدد من المناوشات بغيت إرهاقهم واستنزاف قواهم، ثم راسلوا أمير حلب ("رضوان السلجوقي") الذي كانوا في خلاف معه سابقاً واستدعوه فأتاهم مع جيشه بسرعة قاطعاً مئات الكيلومترات. والتحم الجيشان قرب أماسيا عام 494 هـ واستمرت المعركة لمدة يوم استطاع فيه الأتراك أن يَهزموا الصليبيين وأن يَقتلوا الآلاف منهم، فلم يَنجو منهم في النهاية إلا 3 آلاف جندي لاذوا بالفرار إلى القسطنطينية، ويُقال أن حوالي 30 ألفاً منهم قتلوا في المعركة، مما أدى إلى إبادة جيشين من الجيوش الصليبية الأربع بالكامل تقريباً. وبعد أن تحمس الأتراك من نصرهم هذا ساروا إلى منطقة بين نيقية وهرقلة حيث كان القسم الثاني من جيش الصليبيين، فحاصروه وهزموه وقتلوا معظمه بينما هرب القائد بالكاد مع بعض الفرسان إلى أنطاكية، وبعد هذا ساروا إلى آخر أقسام الجيوش الصليبية والذي كان قد عبر القسطنطينية قبل مدة ليست بالطويلة، فحاصروه هو الآخر وأبادوه قاضيين بهذا على كافة جيوش تلك الحملة الصليبية، وربما كان هذا أعظم نصر للسلاجقة والأتراك في الحروب الصليبية.

لم يَتوقف السلاجقة عند ذلك، فما إن استتب السلام في الإمبراطورية السلجوقية وانتهت النزاعات الداخلية فيها، اتجه محمد بن بركيارق إلى الجهاد، فوجه الأوامر إلى مودود أمير الموصل وسقمان أمير أرمينيا بالسير بحملة عسكرية كبيرة إلى الصليبيين مباشرة بعد سقوط طرابلس، فاتجهت الحملة إلىالرها وحاصرتها، لكن سرعان ما جاء المدد من بقية الدويلات الصليبية فرفعوا الحصار واتجهوا إلى حران، ثم التقوا لاحقاً مع المدد الصليبي قرب نهر الفرات وهزموا قوات الصليبيين وظفروا بهم، وبعد ذلك عادت قوات السلاجقة إلى أراضي الدولة دون غزو الرها، فعادت قوات الصليبيين أيضاً إلى دويلاتها. لكن بعد مدة قرر الصليبيون أن يَغزو العراق من أجل الوصول إلى بغداد، فبدؤوا بتوسيع أراضيهم بحصار حصن حران، فهب أمير الموصل ومعه سقمان مُجدداً واشتبكا مع الصليبيين في معركة وهزموهم، وبعد ذلك أعادوا حصار الرها لكنهم فشلوا وانسحبوا، وقد استطاعوا أيضاً استعادة بضعة مدن في أنطاكية. واستمرت الحروب طويلاً بعد ذلك بين السلاجقة والصليبيين، ومع أن السلاجقة أفلحوا باستعادة العديد من المدن وبمنع استيلاء الصليبيين على العديد غيرها، لكنهم لم يَستطيعوا إسقاط أي من الدويلات الأربع التي أسسها الأوربيون في المشرق.

رسم يُظهر معركة ملاذكرد العظيمة بين السلاجقة والبيزنطيين في عام 463 هـ.
من مصادر

خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء

:)
:(
=(
^_^
:D
=D
=)D
|o|
@@,
;)
:-bd
:-d
:p
:ng
:lv
شكرا لتعليقك
Loading...