pregnancy

عمدة البيئة ...





عمدة البيئة
.......................................................................................


وكأن الطبيعة تريد أن تخبرنا شيئا في هذه الأيام العشتارية المباركة ،
إنها تعاني أمرا ما. لم تعد كما عهدناها في السابق ، كانت لطيفة بشوشة أنيقة ،ترتب فصولها بعناية فائقة، كريمة تبذل أفضل ما لديها ، تمر فينا ونتماهى فيها ، وكنا نعتقد ذلك امرا قدريا ، لذا لم نكن نبالي .
لما تبدو بكل هذا القلق ! 
تختلج فيها الفصول وتعتمرها الفوضى وتأجيل الفروض ،وكأنها تعاني فصاما مناخيا ، تجف تارة حتى تتشقق بشرتها ، وتارة تنهال علينا بالعواصف كغضب يريد أن يقتلعنا من جذورنا .
هل شاخت الطبيعة ؟
هل ملت التساقط والنمو ؟
هل أصابها الزهايمر فنسيت اين تضع أشيائها ، وكيف تعود إلى مأواها ؟
أم نحن من هرمنا وهذا التصحر الذي اجتاح رؤوسنا امتد إلى تاريخنا فاضمحلت جذورنا !
كان أجدادنا يعشقون الطبيعة عشقا فطريا بدئيا نقيا ، حين كان الحب حبا .
كانوا يهيؤون لها طقوس النوم لتغفو في شتاء مطمئن ،وحين تستيقظ في أول الربيع كانت الإحتفالات تتوالى أياما وأيام ،مبتهجين بقدوم الخير والبركة ،مقدمين على سنة عامرة بالخصب ورغبة عارمة في العطاء .
أما وقد أصبحنا غرباء عنها وغرباء فيها ،جاهلين طقوسها ،مسروقة منا أعيادها، صرنا نوقظها من غفوة كانونها الشتوي كي تشاركنا بداية سنة جديدة لم يحن أوانها بعد ، وحين تجيء إلينا في أول نيسان مع حشد من ألهة الخصب والربيع ،نوصد الباب أمامها ،ونعتقد بأنها كذبة نيسان !
وحين تعود إلينا عشتار بعد رحلة شاقة بين الموت والقيامة بحبيبها تموز وباقة من زهور النرجس البيضاء، معلنة توهج العشق المقدس في نفوس السوريين في الحادي عشر من نيسان ، نقول لها ..ليس الأن ..
لقد تهادينا دببة وورودا بلون الدم، واحتفلنا بعيد الحب !
ترى هل نحن من أوصل الطبيعة إلى هذا الهزل، فأخذتنا به؟
أم أغضبنا ألهتنا وأجدادنا فحلت علينا اللعنة .
لازال زينون السوري يجوب الأروقة وتتبعه عيون الفلسفة ليتعلموا كيف يرتقي الإنسان إلى عظمة الأخلاق ، ولا زلنا نجهل أبجديات التفاعل الإنساني ،ونصنع من الأخلاق ترسا وسهاما ونخسر جميعنا فلسفة الحياة .
ولازال حمورابي يسطر اللوح تلوى اللوح ليعلم السوريين العدل والتسامح ،ولازال بابنيان واقف كشاهدة على أبواب روما وجدار الكونغرس ليذكرنا كيف تكتب الشرائع ،وتيودوره بكل هيبتها تقف بزيها الأسود لتكون العادلة الأولى .
كيف لا نستند إلى هذا الإرث العدلي وبلادنا تضع قوانينها ودساتيرها تحت الحجر والوصاية الدولية ؟
ولازال هنيبعل وسرجون يلملمون شتات الأمة حتى أحكموا حدودها بيد من الولاء والقوة التي جعلت اللغة الأرامية هي السائدة في زمانهم ، هذه اللغة التي تمشي الأن وحيدة غريبة في بلدها وبين أبنائها المشغولون بالتفاوض على حدود بلادهم وتقسيم بنيانها بين مهاجر ونازح وراسخ ورازح تحت لقمة العيش ،يحملون الإثم الكنعاني في صدورهم ويجلدهم الإغتراب .
ترى هل سيعود أبولودور على رأس وفد أجنبي لإعادة إعمار البلد ،وهل سيقف مذهولا على أطلال حضارة عمرانية رسمها ،أم ستدمع عيناه كغريب بين أهله ويمضي ؟
هل عقرت النساء السوريات اللواتي حملن سر عشتار, كي يلدن أسيادهن وجلاديهن ويتكاثرن قطعانا هائمة تحت رايات سوداء ؟
وهل سيرجعن إلى معبد الربة الأولى يبتهلن الحب والغفران والنقاء،على صوت ناي أورنينا وتراتيل انهيدوانا ، وعلى مرأى من سميراميس وجوليا دومنا وزنوبيا 
علّ بركةالأم الكبرى تتطهرهن ،فتعود الطبيعة إلى أنوثتها ويهدأ سرها وتكتمل دورة الفصول .
أصبحت هذي البلاد كتيامات التي ملت من ضجيج الألهة الفتية في جوفها فزجرتهم لتعيدهم إلى العمه الأول ....
. فأي مردوخ شجاع سيفطرها ليعيد تشكيل أرضها وهيكلة سمائها ؟
هل نحن بحاجة إلى ملحمة أخرى في إعادة الخلق ، 
أم أن قدر سوريانا كقدر طائر الفينيق ، يتخلق مع أخر نبضة تسقط في أرض المعركة،  مع أخر فكرة تشتعل في جيش من الظلام ،مع أخر صرخة تولد من رحم حي ،يتخلق من تحت ما تبقى من رماد الوطن  ،لتشرق من بين أجنحته سماوات من الحب والحرية والقوة والسلام .

  لجين ألفي
شكرا لتعليقك