من نثريات "ابن زيدون"
......................................................................................
قال من رسالة يخاطب فيها ابن جوهر: " وهل لبِسَ الصباح إلا بُرداً طرّزته بمحامدك , وتقلـّدت الجوزاء إلا عقداً فصّلُتُه بمشاعرك , وفَتّ َ المسكُ إلا حديثاً أذعته بمفاخرك , وما يوم حليمة بسر , وحاش لله أن أُعدّ من العاملة الناصبة , وأكونَ كالذبالة المنصوبة (1) تضيء للناس وهي تحترق " ومنها : " ولعمري ماجهلتُ أن الرأي في أن أتحول إذا بلغتني الشمس , ونبا بي المنزل , وأضرب عن المطامع التي تقطعُ أعناق الرجال , ولا أستوطىء العجز فيُضربُ بي المثل :" خامري أمّ عامر"(2)
وإني مع المعرفة بأن الجلاء سباء , والنقلة مثله , لعارفٌ أن الأدب الوطنُ الذي لايُخشى فراقه , والخليط الذي لايُتوقع زياله , والنسبُ الذي لايجفى , أينما توجه ورد أعذبَ منهل , وحطّ في جناب قبول , وضوحك قبل إنزال رحله , واعطي حُكم الصبيّ على أهله :
وقيل له أهلاً وسهلاً ومرحباً .....فهذا مبيتٌ صالحٌ وصديــــقُ
غير أن الوطن محبوب , والمنشأ مألوف , واللبيب يحنُ إلى وطنه , حنين النجيب إلى عطنه , والكريم لايجفو أرضاً بها قوابله ,ولاينسى بلداً فيه مراضعه , مع مغالاتي بعلـّو جوارك , ومنافستي في الحظ من قُربك , واعتقادي أن الطمع في غيرك طبَع(3) والغنى من سواك عناء , والبدل منك عوْزٌ , والعوض لفّاء (4) , وكل الصيد في جوف الفرا , وفي كل شجر نار , واستُمجد المرخُ والعفار (5) فما هذه البراءة ممن يتولاك , والميل عمنْ يميل إليك , وهلّا كان هواك فيمن هواه فيك , ورضاك لمن رضاه لك .
من كتاب " الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة " لابن بسّـــــام.
1ـ الذبالة : الفتيلة في السراج
2ـ خامري : استتري , وأم عامر: كنية للضبع
3ـ الطبَع بفتح الباء : الشين والعيب
4ـ اللفاء : الخسيس والحقير
5ـ المرخ والعفار : ضربان من الشجر
طيّب الله أوقاتكم بالخير
سلمية
8/6/2019 ظهير الشعراني
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء