pregnancy

مدخل إلى الجذور السياسية والفكرية للخطاب السلفي د. عدنان عويد (سوريا)






مدخل إلى الجذور السياسية والفكرية للخطاب السلفي
.......................................................................................


     إن السلفية بأبسط صورها في الخطاب الديني بشكل عام, هي موقف فكري وسلوكي من الحياة, يقوم على اعتبار الماضي المنطلق الوجودي والمعرفي لما هو تال, وأن الأسلاف لم يتركوا شيئاً للأخلاف. وهذا الموقف ذاته نجده في الخطاب السلفي الإسلامي بشكل خاص أيضاً. حيث يُعتبر الخطاب الإسلامي بكل ما يتضمنه من قضايا مادية وفكرية وقيميّة حدثت في القرون الهجرية الثلاثة الأولى, هو منطلق البداية والنهاية لمنظومة حياة الإنسان عموماً. أو بتعبير آخر إن تلك المرحلة التاريخية التي عاشها الرسول والصحابة والتابعون وتابعو التابعين بكل قيمها المادية والفكرية والأخلاقية, هي المنطلق الوجودي والمعرفي لكل ما جاء فيما بعد في حياة المسلمين. وبالتالي فكل جديد لا يتفق مع هذا المنطلق, هو بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

     إن السلفية كمنهج ورؤية وطريقة حياة  في ضوء هذا الموقف السكوني والجمودي والوثوقي, لم تأت بشكل عفوي, وإنما هي تتكئ على نص مقدس يتمثل في أحاديث للرسول يُشك في أمرها, إذ لا يمكن لنبي عظيم مثل محمد (ص) الذي غير مجرى التاريخ أن يقول أو يقر بها, كالحديث القائل : (خير القرون القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه ثم الذي يليه.). أو الحديث القائل: (أصحابي كالنجوم الساطعة بأي منهم اقتديتم اهتديتم.). لذلك فإن اعتماد أصحاب التيار السلفي الجمودي على هذه الأحاديث وهي أحاديث أحاد, (ظنية) جاء لتأكيد هذا الموقف السلفي الجبري الجمودي من الحياة,  متجاهلين  كل ما حدث من أمور في الدولة والمجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول مباشرة وصولاً إلى انهيار الخلافة الإسلامية ذاتها, وهي أمور أو أحداث لا تمت في معظمها إلى تعاليم الإسلام ولا قيم الرسول بصلة. فهل من المعقول على سبيل المثال لا الحصر, أن يكون القرن الذي وجد فيه الرسول وخاصة بعد وفاته هو خير القرون, وكانت هناك حروب الردة, ومقتل سعد بن عبادة لكونه لم يبايع أبا بكر وعمر, واتهموا الشيطان بقتله بذريعة أنه بال واقفاً,. ثم مقتل عمر بن الخطاب, و قيام الفتنة الأولى في الإسلام التي أدت إلى مقتل عثمان بن عفان. ثم قيام الفتنة الثانية بين علي وعائشة في (حرب الجمل). أو قيام معركة صفين بين علي ومعاوية على السلطة وظهور الخوارج. وهل من المعقول أن يكون كل أصحاب الرسول كالنجوم الساطعة يقتدى بأي واحد منهم, ومنهم من قتل عثمان وهو يقرأ القرآن, أو يحرض على علي بن أبي طالب في معركة الجمل وصفين ويقوم بقتله فيما بعد, وهل من المعقول أن ينهب معاوية الخلافة بقوة السلاح وشراء الضمائر ويحولها إلى ملك عضوض وهو من كتبت الوحي, ثم ينقلها إلى إبنه يزيد المعروف بسلوكياته المشينة ويأتي في مقدمتها فضيحة (وقعة الحرة) وغيرها من مفاسد يندى لها الجبين, هذه المفاسد التي صرح بها "معاوية الثاني بن يزيد بن معاوية" بعد أن توفي والده يزيد, حيث اعتلى يومها المنبر وقال مخاطباً جمهور المسلمين : (أنتم أولى بأمركم فاختاروا من أحببتم ... أيها الناس إن جدي نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه وهو علي بن أبي طالب, وركب بكم ما تعلمون حتى أتته المنية فصار في قبره رهيناً بذنوبه وأسيراً بخطاياه, ثم قلد أبي الأمر فكان غير أهل لذلك, وركب هواه وصار في قبره رهيناً بذنوبه وأسيراً بجرمه... وقد قتل عترة رسول الله, وأباح الحرم وخرب الكعبة. وما أنا بالمتقلد ولا بالمحتمل تبعاتكم فشأنكم وأمركم..). (1).وهل من المعقول أن يكون من النجوم الساطعة الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي مزق القرآن وهو مخمور وخاطبه إن سألك ربك يوماً من مزقك, قل له يا ربي مزقني الوليد, وهو من قتله أخوه لمجونه!. وأخيراً أحب أن أنهي مسألة هؤلاء النجوم بموقف للخليفة الأموي " عمر بن عبد العزيز" عندما جاءت إليه عمته "فاطمة" بنت مروان مبعوثة من الأسرة الأموية الحاكمة تطالبه بأن يعدل عن مصادرة ممتلكاتهم التي سماها مظالم, فرفض وأصدر وثيقة (التأميم), أو المصادرة وهو يقول مشبهاً ثروة البلاد بالنهر الذي هو حق للجميع ولا يجوز امتلاكه أو حيازته لأحد: ( إن الله تعالى بعث محمداً رحمة لم يبعثه عذاباً للناس, ثم اختاره له ما عنده... فترك لهم نهراً شُربهم به سواء. ثم ولى أبو بكر فترك النهر على حاله, ثم ولي عمر فترك الأمر على حاله وعمل عمل صاحبه. فلما ولي عثمان اشتق من ذاك النهر نهراً. ثم ولي معاوية فشق منه انهاراً, ثم لم يزل ذلك النهر يشق منه يزيد ومروان وعبد الملك وسليمان حتى أفضى الأمر إليّ وقد يبس النهر الأعظم ولن يروى أصحاب النهر أو يرضوا حتى يعود إليهم النهر الأعظم إلى ما كان عليه.). (2).

1- 
د. حسن ابراهيم حسن- تاريخ الإسلام –ج1- دار الجيل – بيروت ط3- 1991- ص152 . 

 2-
الدين في المجتمع والدولة – ندوة – مركز دراسات الوحدة- 1990- ص209.


د. عدنان عويد (سوريا)
شكرا لتعليقك