عن الفقر المدقع و الثراء الفاحش.
.......................................................................................
هل ثمة علاقة بين الفقر و الغباء و عدم الكفاءة؟ و بالمقابل بين الثراء و الذكاء و الكفاءة؟ او بعبارة أخرى هل الفقير غبي بالضرورة؟
أخبرني صديقي العربي المهاجر لدولة كبرى أنني اتعامل مع مسألة الفقر و الثراء بمنطق الصواب و الخطأ في حين ان الامر في نظره لا يتعدى منطق غباء الفقير و كسله، مقابل ذكاء الثري و جهده.
اثار حديثه بداخلي حنق و كانت هناك صعوبة للرد السريع لان الأمر بحاجة للولوج قليلا إلى التاريخ و علم الاقتصاد السياسي في محاولة لسبر غور مسألة الثراء الفاحش و الفقر المدقع. و حتى اكون دقيقا في اختياري للمصطلحات، سأتحدث هنا عن الفقر المادي المدقع و الذي لا يجد الإنسان فيه الحد الأدنى من متطلبات الحياة.. و بالمقابل الثراء الفاحش و الذي يملك فيه شخص أو مجموعة معدودة من الأشخاص ثروات دولة بأكملها...
العصر العبودي....
العصر العبودي، هو عصر الدولة اليونانية و الرومانية.. و تم تسميته بالعصر العبودي نسبة للعبيد الذين تم جلبهم بقوة السلاح من مجتمعاتهم الأصلية المحتلة من قبل اليونان كمصر و والشام. تحمل هؤلاء العبيد كل معاناة و مشقة العمل البدني و الأعمال المجهدة مقابل تفرغ اليوناني للسياسة و الفلسفة و الرياضة.. العبودية هنا تأسست تحت ضغط السلاح و استغلال القوي لقوة عمل الضعيف جشعا و كسلا. الثري هنا هو الكسول القوي.. و العبد هو الضعيف المستغل. لا مكان هنا لذكاء و غباء فقط قوة و استغلال مقابل ضعف.
عهد الاقطاع...
عند انهيار الدولة الرومانية.. لم يعد هناك غطاء أمني للفلاحين ضد هجمات القبائل الخارجية.. فاضطر الفلاح للرضوخ لسلطة مالك كبير للحصول على الحماية مقابل العمل.. استغل هذا المالك الكبير "الاقطاعي" حاجة الفلاح للحماية و جرده من ملكيته و حريته مقابل الأمن.. و كان منشأ الاقطاع..لا مكان هنا أيضا لذكاء و غباء انها مسألة قوة و استغلال لضعف الآخر..
الرأسمالية و الصناعة..
هنا صاحب راس المال يستغل قوة عمل العمال لربح اكثر بعد بيع المنتجات التي صنعها العمال بجهدهم و ساعات عملهم الطويلة مقابل اجر زهيد لا يفي بالحد الأدنى لمعيشتهم. و كان هذ الاستغلال لقوة عمل الإنسان اساس المجتمع الصناعي بكل تناقضاته و الفجوة الهائلة بين المالكين و الفقراء. العامل هنا هو المنتج النشيط الفقير بينما الرأسمالي يتفرغ لإدارة راس المال و ضمان تراكمه..
لا مكان هنا أيضا للذكاء و الغباء.. هي مسألة استغلال خالص لقوة العمل و من هذا الاستغلال نشأت تلك الفجوة المهولة بين قلة ثرية و أغلبية معدمة. و تم تفصيل القوانين و التشريعات لضمان استمرار هذا الوضع.
و لان تلك النخبة المالكة هي المديرة الفعلية لكل وسائل الإعلام ووسائط التربية تم اختزال قضية الفقر و الغنى على أنها قصة غباء و ذكاء و ليست قضية استغلال. بل وخلق حالة من اشعار البسطاء بدونيتهم و غبائهم و عدم قدرتهم على التخطيط..
محمد بهجت شهاب (مصر)
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء