pregnancy

باحثة البادية ( "ملك حفني ناصف" ) ومأساتها المجهولة

 باحثة البادية ( "ملك حفني ناصف" ) ومأساتها المجهولة

.................................................................. 

 

ملك حفني ناصف، اسم يعد أشهر من نار على علم، فهي نجمة من نجوم الأدب والثقافة في مصر والعالم العربي، يعرفها القاصي والداني بأشعارها وكتاباتها في الصحف والكتب، وأطلق اسمها على مدارس وشوارع تخليدا لذكراها، كل هذا معروف ويردده الكثيرون، ولكن هناك جانب مهمش من حياة هذه الفتاة التي كانت أشهر فتاة مصرية في العقد الأول من القرن العشرين، ألا وهو مأساتها التي تعرضت لها وتسببت في اكتئابها ومن ثم موتها وهي في ريعان الشباب.

والد ملك هو محمد الحفني بك بن إسماعيل خليلي ناصف الشهير باسم حفني بك ناصف، القاضي والأديب الشاعر والثائر الذي كان يعمل مفتشا للغة العربية بوزارة المعارف، وشقيقتها هي الطبيبة كوكب حفني ناصف التي كانت من أوائل الطبيبات المصريات وأول جراحة مصرية.

وقد حصلت ملك حفني ناصف على الشهادة الإبتدائية، حيث كانت أول فتاة مصرية تحصل عليها، ثم كانت أول فتاة مصرية تحصل على هذه دبلوم المعلمات من مدرسة السنية وكان ترتيبها الأول على مصر كلها، وعملت مدرسة بمدرسة السنية بعد تخرجها مباشرة، كما كانت تحاضر بالجامعة الأهلية بعد إنشائها.

ومارست الكتابة في عدد من الصحف والمجلات المصرية والأجنبية، منها "الجريدة" و"المؤيد"، ثم جمعت مقالاتها ونشرتها في كتاب أسمته "النسائيات"، وكانت تجيد الخطابة وكتابة الشعر واعتبرها الكثيرون أول أديبة عربية قدمت سيرتها الذاتية على نحو أدبي مباشر، وهو ما يعرف حاليا بأدب الإعترافات في السير الذاتية، وكان أدبها صادقا مع تجربتها الذاتية القصيرة في الحياة.

وكانت من صديقات الأديبة المعروفة مي زيادة، ولقد زارتها مي في منزلها وكتبت عنها تصف حالها: "يلمح الناظر في عينيها السوداوين الفاتحتين بريق الذكاء وآيات التفكير العميق والفطنة.. على محياها سحابة من الهموم"، وكتبت ملك حفني ناصف يوما رسالة لصديقتها مي زيادة قالت لها فيها: "المرأة كدودة القز تفرغ حريرها لتموت، أما الرجل فهو كالنحلة ينتقل من زهرة لزهرة متروضا، وقد يطيل المكث على زهرة ناضرة ليمتص نضارتها منها وماء حياتها".

أما عن مأساتها التي جعلت على محياها سحابة من الهموم كما وصفتها مي زيادة، بل وجعلتها تصاب بمرض الاكتئاب الذي قضى على حياتها وهي في ريعان شبابها فكان هو زواجها، والحقيقة أن الزواج لم يكن في حد ذاته هو المؤدي لإصابتها بالاكتئاب، ولكن الأحداث التي مرت بفترة زواجها هي السبب في ذلك.

حيث تزوجت ملك رجلا من أعيان أعراب ليبيا الذين يقيمون ببادية الفيوم، فتركت ملك القاهرة وودعت حياتها المفعمة بالتحضر والمدنية، وأقامت مع زوجها في البادية وارتدت العقال وأصبحت تكتب فى الصحف باسم باحثة البادية، ولكنها مرت بأصعب تجربة يمكن أن تتعرض لها امرأة في حياتها، ألا وهي اتهامها بأنها عاقر، حيث مرت سنوات على زواجها ولم تنجب، مما دعا أهل زوجها إلى معايرتها واتهامها بأنها عاقر، خاصة وأن زوجها كان متزوجا من قبل، وكان لديه فتاة من زوجته الأولى، وما زاد في حزنها وتسبب في إحباطها أكثر، أن زوجها كان يشارك أهله في معايرتها واتهامها بأنها عقيم.

وقد وقف والدها معها وقام بعرضها على عدد من الأطباء داخل مصر وخارجها، حتى فاجأها أحد الأطباء الأوروبيين بأن التحاليل التي أجراها لها أثبتت أنها سليمة وليس عندها أي مانع للإنجاب وأن زوجها ربما يكون هو العقيم، وتتوالى المفاجآت وتظهر الحقيقة، حيث يثبت لها أن زوجها كان قد أجرى جراحة بعد إنجابه من زوجته الأولى أصيب على إثرها بالعقم، وأنه قد تزوجها و هو يعلم أنه غير قادر على الإنجاب.

وكتبت ملك في الصحف تطالب بالكشف الطبي على الرجال والنساء معا قبل الزواج، ووقتها ثارت عليها موجة من الإحتجاجات من جانب الرجال والنساء على حد سواء، حيث كانت تقاليد المجتمع في ذلك الوقت لا تسمح بعرض البنات على الأطباء قبل الزواج وربما بعده أيضا.

وتم طلاقها من زوجها بعد مواجهتها له، وأصابها الاكتئاب والحمى الأسبانية، وتوفيت قبل أن تتم 32 عاما، كان ما يقرب من نصفهم ربيعا والباقى خريفا، وقد أصيب والدها بالشلل حزنا عليها ثم سرعان ما لحق بها.

وللأسف الشديد يذكر الجميع الأديبة ملك حفني ناصف وينسون مأساتها التي قضت عليها، ولم يعد باقيا من ذكراها سوى اسم يطلق على بعض المدارس والشوارع ودرس في كتاب القراءة المقرر على الصف الخامس الإبتدائي.

خطاب معوض خطاب  




شكرا لتعليقك