راهب الهوا الأصفر.. أكرم
الملا
صاحب الهوا الأصفر، عاشق المدينة،
وراهب الكرة الطائرة، رحل قبل الأوان، كأنه جاء من عصر الأساطير، ليعيش ويرحل
كأمنية لم يراد لها أن تتحقق، هتفت كل الحناجر باسمه، غيّر منطق اللعب عند
الجدران، ليهجر الصفير شفاه وحناجر مربّي الحمام، ليعلو في صالة "مكتب
الحبوب" تشجيعاً لفريق "الهوا الأصفر"، عشقته صبية مصرية في لبنان،
حاولوا جذبه لكنه رفض، مات "أكرم الملا" وصعدت تلك الصبية سلم الشهرة
الفنية.
لماذا اللون الأصفر: «رغم أنه يلعب
الكرة الطائرة، إلاّ أنه يحب كرة القدم كثيراً، ومن بين الفرق عشق البرازيل،
والقميص الأصفر، اختاره لفريقه، فتحول هذا اللون إلى كابوس يقض مضاجع كل الفرق،
لذا استحق بحق أن يطلق على فريقه "الهوا الأصفر"».
كيف كان يتعامل مع العروض التي أتته من
فرق كثيرة: «من يعرف "أكرم "جيداً، يعرف جيداً كم كان رافضاً لكل مظاهر
التكريم، كما أنه رفض كل الإغراءات التي عرضت عليه، وكان يقول دائماً
"سلمية" هي الأفضل، وأذكر حادثة طريفة حدثت معه، وقد سطع نجم فريقه في
سماء الكرة الطائرة السورية، فقد أشرك لاعباً منهم "أكرم الصهيوني" مع
منتخب الرجال في مباراة مع نادي الشرطة المركزي المسيطر في تلك الفترة على بطولة
سورية، وأثبت من خلال هذه المشاركة أن الفريق قادم بقوة، فقد أوقف
"الصهيوني" أقوى ضارب في تلك الفترة "إبراهيم خاروف" في حائط
صد أذهل الجميع على مدى مجريات اللقاء، كانت رسالة قدمها "أكرم" للفريق
البطل، لكن البطولة لم تأت لأن الراهب رحل».
قال فيه الشاعر "منذر
الشيحاوي": «على عجل رحلت إلى البعيد/ رحيل الضوء في الليل الوئيد/ رحيلك جاء
يقتلنا جميعاً/ بسيف الحزن والألم الشديد/ "سلمية" قلبها بالنبض يبكي/
ويذبحها الفراق من الوريد/ ستبقى "أكرم الملا" سراحاً/ تعلق فوق أحداق
الخلود/ هو الموت الذي ينسل فينا/ ويختار البديع من الورود/ خيالك رغم أنف الموت
حي/ يشاركنا الحياة بلا حدود/ فطب روحاً وأنت بكل نبض/ ومثلك لا يموت على الوجود».
ولأنه من جيل صنع مجد الكرة السورية،
فقد شارك في البطولة العربية التي أقيمت في بيروت، وهناك أحبته صبية مصرية، كانت
بطلة العرب في السباحة، وكان هو في التاسعة عشرة من عمره، أحبته، لكنه خجول بطبعه،
طلبوا منه أن يسافر إلى مصر كي يلعب هناك، لكنه رفض: «ربما يستهجن البعض هذا
الخبر، لكنه حقيقة، وهي ممثلة مصرية معروفة».
وها هو الشاعر "أحمد خنسا"
يتحدث عن "أكرم الملا" فيقول: «لقد ظلت فعاله درساً لطلابه، وظلت محبته
قبلة لأصدقائه، وظلت محبة الناس له عزاءً لأهله، وذويه، "أكرم" خسارة
كبيرة لـ"سلمية"، ولسورية، وسننتظر عقوداً من الزمن كي نعوض ما فاتنا
برحيله».
تقول شقيقته "أسيمة" في خصال
شقيقها الراحل: «كان يملك من القدرة ما جعله مقرباً من العقلاء، ومرضى العقول،
أصبح "أكرم" صديقاً لكل مريض نفسي، وكم كان يعمل على مساعدتهم، ومنهم من
شفي تماماً، ومنهم من بات عاشقاً لكرة الطائرة، هو صامت، قليل الكلام، لا يحب
الأضواء، كان يعمل على تحضير فريق من نوع مختلف، حقق الكثير من هذه المعادلة التي
رسمها، لكن الأيادي البيضاء لم تشأ له أن يكمل، تعرض لمضايقات عدة، لكنه كان يعمل
بجد، ويزداد إصراراً، نعتوه بأشياء ليست فيه، واعترفوا بذلك، لكن متى؟، بعد أن صار
تحت التراب، مات وفي حلقه غصة».
ومن المواقف التي ذكرها شقيقه
"محمد" عن الراحل "أكرم" ذلك التعهد الذي أراد أن يوقع عليه
في مباراة فريق نادي "سلمية" مع منتخب بلغاريا، وهنا يقول: «وصلت سمعة
الفريق الذي يدربه إلى كل مكان، وبات على اتحاد اللعبة أن يرشح "سلمية"
لخوض مباريات ودية مع كل منتخب يزور سورية، ومن بين الفرق زارنا الفريق البلغاري،
وأذكر أنه تعهد أمام الجميع في حال كان مستلماً لزمام المباراة كمدرب أن يفوز،
والأصعب من ذلك قوله: (لو سجل الفريق البلغاري في أي شوط من أشواط المباراة أكثر
من سبعة نقاط، فلتعلق مشنقتي في ساحة سلمية) كم كان واثقاً من نفسه، وكم خذلوه،
وأبعدوه، حتى أنه لم يحضر تلك المباراة».
بطاقة الراحل "أكرم الملا"
الرياضية:
ــ من مواليد "سلمية" في 12
أيلول 1952.
ــ نال شهادة دبلوم في العلوم الرياضية
عام 1972 وكان أول دفعته.
ــ انتسب إلى كلية الحقوق في جامعة
"دمشق" للسنتين الأولى والثانية 1973- 1975، وتركها بسبب ميوله الرياضية.
ــ لعب في عداد المنتخب السوري بين
عامي 1970- 1976 في مركز الضارب.
ــ رشح لعدد من البعثات إلى ألمانيا
والإتحاد السوفييتي، لكنه رفضها.
ــ حقق بطولات عدة بصفته مدرباً لمنتخب
مدارس "سلمية".
ــ حقق بطولة الدوري السوري لثلاث
سنوات متتالية في فئة الشباب.
ــ تعرض لحادث سير أليم يوم 27 أيار
1986 دخل على إثره العناية المشددة.
ــ وافته المنية نتيجة الحادث يوم 2
حزيران 1986 وسط ذهول الشارع الرياضي والشعبي في "سلمية".
ــ شيعته مدينته إلى مثواه الأخير
لتطوى صفحة الراهب الذي لم يتزوج، لأن الحبيب غاب بعد أول رفة جفن.
وليس أروع من تلك المشاعر التي نطق بها
الأستاذ "حسين خدوج" صديق الراحل، حيث قال: «قصة الخلق عجيبة، وقصة
الموت قد تكون أكثر عجباً.. و"أكرم" بين القصتين هو الأعجب، وهو الأغرب،
فالإنسان محور هاتين القصتين، انتهت قصة "أكرم" على مسرح الرؤية، ولكنها
لم تنته ولن تنتهي على مسرح الخيال والذاكرة».
فهل مثله يموت من ذاكرة مدينة رأسمالها
الذاكرة؟.
..............
هدية لكل أعضاء الرابطة ولمحبي هذا اللاعب الكبير
ــ كتبها: محمد أحمد القصير
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء